الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

      الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

      صفحة جزء
      ( فصل ) والإيمان بكتابة المقادير يدخل فيه خمسة تقادير :

      ( الأول ) : التقدير الأزلي قبل خلق السماوات والأرض عندما خلق الله تعالى القلم ، كما قال ربنا - تبارك وتعالى : ( قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ) ، ( التوبة 51 ) الآية ، وقال سبحانه وتعالى : ( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكي لا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ) ، ( الحديد 22 ) .

      وقال البخاري - رحمه الله تعالى : حدثنا عمر بن حفص بن غياث ، حدثنا أبي ، حدثنا الأعمش ، حدثنا جامع بن شداد عن صفوان بن محرز أنه حدثه عن عمران بن حصين - رضي الله عنهما - قال : دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وعقلت ناقتي بالباب ، فأتاه ناس من بني تميم فقال : اقبلوا البشرى يا بني تميم . قالوا : قد بشرتنا فأعطنا مرتين ثم دخل عليه ناس من أهل اليمن فقال : اقبلوا البشرى يا أهل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم ، قالوا : قد قبلنا يا رسول الله . قالوا : جئناك نسألك عن أول هذا الأمر . قال : كان الله ولم يكن شيء غيره ، وكان عرشه على الماء ، وكتب في الذكر كل شيء ، وخلق السموات والأرض ، فنادى مناد : ذهبت ناقتك يا ابن الحصين ، فانطلقت فإذا هي يقطع دونها السراب ، فوالله لوددت أني كنت تركتها " .

      [ ص: 929 ] وقال مسلم - رحمه الله تعالى : حدثني أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن عبد الله بن سرح ، حدثنا ابن وهب أخبرني أبو هانئ الخولاني عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة قال وعرشه على الماء .

      ولهما عن أبي هريرة حديث احتجاج آدم وموسى ، وهذا اللفظ لمسلم قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - احتج آدم وموسى - عليهما السلام - عند ربهما ، فحج آدم موسى . قال موسى : أنت آدم الذي خلقك الله بيده ، ونفخ فيك من روحه ، وأسجد لك ملائكته ، وأسكنك في جنته ، ثم أهبطت الناس بخطيئتك إلى الأرض . فقال آدم : أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه ، وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء ، وقربك نجيا ، فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق ؟ قال موسى : بأربعين عاما . قال آدم : فهل وجدت فيها ( وعصى آدم ربه فغوى ) ( طه 121 ) قال نعم قال أفتلومني على أن عملت عملا كتب الله علي أن أعمله قبل أن يخلقني بأربعين سنة . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فحج آدم موسى . وله عندهما وغيرهما ألفاظ من طرق كثيرة .

      وقال أبو داود - رحمه الله تعالى : حدثنا جعفر بن مسافر الهذلي ، حدثنا يحيى بن حسان ، حدثنا الوليد بن رباح ، عن إبراهيم بن أبي عبلة ، عن أبي حفصة قال : قال عبادة بن الصامت لابنه : يا بني ، إنك لن تجد طعم حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ، وما أخطأك لم يكن ليصيبك ، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن أول ما خلق الله القلم ، فقال له : اكتب . قال : رب ، وماذا أكتب ؟ قال : مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة . يا بني ، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : من مات على غير هذا فليس مني [ ص: 930 ] وقال الترمذي - رحمه الله تعالى : حدثنا يحيى بن موسى ، أخبرنا أبو داود الطيالسي ، أخبرنا عبد الواحد بن سليم قال : قدمت مكة فلقيت عطاء بن أبي رباح ، فقلت له : يا أبا محمد ، إن أهل البصرة يقولون في القدر . قال : يا بني ، أتقرأ القرآن ؟ قلت : نعم . قال : فاقرأ الزخرف . قال : فقرأت ( حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم ) ، ( الزخرف 1 - 4 ) قال : أتدري ما أم الكتاب ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : فإنه كتاب كتبه الله قبل أن يخلق السماء ، وقبل أن يخلق الأرض ، فيه إن فرعون من أهل النار ، وفيه تبت يدا أبي لهب وتب . قال عطاء : فلقيت الوليد بن عبادة بن الصامت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسألته : ما كانت وصية أبيك عند الموت ؟ قال : دعاني فقال : يا بني ، اتق الله ، واعلم أنك لن تتقي الله تعالى حتى تؤمن بالله وتؤمن بالقدر كله خيره وشره ، فإن مت على غير هذا دخلت النار ، إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن أول ما خلق الله تعالى القلم ، فقال : اكتب . قال : ما أكتب ؟ قال : اكتب القدر ، ما كان وما هو كائن إلى الأبد . هذا حديث غريب .

      وقال البخاري - رحمه الله تعالى : قال أصبغ : أخبرني ابن وهب ، عن يونس بن يزيد ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قلت يا رسول الله ، إني رجل شاب ، وأخاف على نفسي العنت ، ولا أجد ما أتزوج به النساء ، فسكت عني ، ثم قلت مثل ذلك ، فسكت عني ، ثم قلت مثل ذلك ، فسكت عني ، ثم قلت مثل ذلك ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم : يا أبا هريرة ، جف القلم بما أنت لاق ، فاختصر على ذلك أو ذر . وغير ذلك من الأحاديث .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية