الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

      الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

      صفحة جزء
      ( فصل ) : التقدير ( الثاني ) من تقادير الكتابة : كتابة الميثاق يوم ألست بربكم [ ص: 931 ] قال تعالى : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون ) ، ( الأعراف 172 ) ، وقال تبارك وتعالى : ( وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين ) ، ( الأعراف 102 ) .

      وقال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى : حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا إبراهيم بن محمد أبو إسحاق الفزاري ، حدثنا الأوزاعي ، حدثني ربيعة بن يزيد ، عن عبد الله بن الديلمي ، عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إن الله - عز وجل - خلق خلقه في ظلمة ، ثم ألقى عليهم من نوره يومئذ ، فمن أصابه من نوره يومئذ اهتدى ، ومن أخطأه ضل ، فلذلك أقول جف القلم على علم الله - عز وجل . حسنه الترمذي .

      وقال أحمد - رحمه الله عز وجل : حدثنا هشيم ، وسمعته أنا منه قال : حدثنا أبو الربيع ، عن يونس ، عن أبي إدريس ، عن أبي الدرداء - رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : خلق الله آدم حين خلقه ، فضرب كتفه اليمنى فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر ، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم ، فقال للذي في يمينه : إلى الجنة ولا أبالي ، وقال للذي في كفه اليسرى : إلى النار ولا أبالي .

      وقال - رحمه الله تعالى : حدثنا الحسن بن سوار ، حدثنا ليث يعني ابن سعد عن معاوية عن راشد بن سعد عن عبد الرحمن بن قتادة السلمي - [ ص: 932 ] رضي الله عنه : قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله عز وجل خلق آدم ثم أخذ الخلق من ظهره ثم قال هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي قال فقال قائل يا رسول الله فعلى ماذا نعمل قال على مواقع القدر . وفي الباب عن معاذ ونضرة ، عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وحديث عبد الرحمن هذا رجاله رجال الصحيحين إلى الصحابي .

      وروى إمام دار الهجرة مالك بن أنس - رحمه الله تعالى ، عن زيد بن أنيسة ، عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب أنه أخبره ، عن مسلم بن يسار الجهني : أن عمر بن الخطاب سئل - رضي الله عنه - عن هذه الآية ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ) ، ( الأعراف 172 ) فقال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسأل عنها ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إن الله - تبارك وتعالى - خلق آدم ، ثم مسح ظهره بيمينه حتى استخرج منه ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون . فقال رجل : يا رسول الله ، ففيم العمل ؟ قال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : إن الله إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله ربه الجنة ، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار ، فيدخله ربه النار .

      [ ص: 933 ] وقال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا جرير - يعني : ابن أبي حازم ، عن كلثوم بن جبر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : أخذ الله تعالى الميثاق من ظهر آدم بنعمان - يعني : عرفة ، فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ، ثم كلمهم قبلا قال ( ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون ) ، ( الأعراف 172 ) . صححه الحاكم ، وروى ابنه عبد الله في زوائده على مسند أبيه ، حدثنا محمد بن يعقوب الربالي ، حدثنا المعتمر بن سليمان ، سمعت أبي يحدث ، عن الربيع بن أنس ، عن رفيع أبي العالية ، عن أبي بن كعب - رضي الله عنه - في قول الله - عز وجل : ( وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ) ، ( الأعراف 172 ) الآية ، قال : جمعهم فجعلهم أرواحا ، ثم صورهم فاستنطقهم فتكلموا ، ثم أخذ عليهم العهد والميثاق وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم ؟ قالوا : بلى . قال : فإني أشهد عليكم السماوات السبع والأرضين السبع وأشهد عليكم أباكم آدم - عليه السلام - أن تقولوا يوم القيامة لم نعلم بذلك ، اعلموا أنه لا إله غيري ولا رب غيري ، فلا تشركوا بي شيئا ، إني سأرسل إليكم رسلي يذكرونكم عهدي وميثاقي وأنزل عليكم كتبي . قالوا : شهدنا بأنك ربنا وإلهنا لا رب غيرك ، فأقروا بذلك الحديث . وقال الإمام الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

      [ ص: 934 ] وقال البخاري - رحمه الله تعالى : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا غندر ، حدثنا شعبة ، عن أبي عمران قال : سمعت أنس بن مالك - رضي الله عنه ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : يقول الله تعالى لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة : لو أن لك ما في الأرض من شيء ، أكنت تفتدي به ؟ فيقول : نعم . فيقول : أردت منك أهون من هذا وأنت في صلب آدم أن لا تشرك بي ، فأبيت إلا أن تشرك بي . ورواه مسلم وغيره .

      والأحاديث في هذا الباب كثيرة ، وقد قدمنا منها جملة وافية في أول هذا الشرح عند الكلام على الميثاق ، ولله الحمد والمنة .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية