[ ص: 250 ] كتاب الإجارات الكتاب والسنة ، والإجماع . أما الكتاب . فقول الله تعالى : { الأصل في جواز الإجارة فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } . وقال تعالى : { قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك } .
وروى في " سننه " عن ابن ماجه عتبة بن الندر ، قال : { موسى ، قال : إن موسى عليه السلام آجر نفسه ثماني حجج ، أو عشرا ، على عفة فرجه ، وطعام بطنه } . وقال الله تعالى : { كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأ : طس حتى إذا بلغ قصة فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا } . وهذا يدل على جواز أخذ الأجر على إقامته . وأما السنة ، فثبت { وأبا بكر ، استأجرا رجلا من بني الديل هاديا خريتا . } أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وروى ، عن البخاري رضي الله عنه { أبي هريرة } . والأخبار في هذا كثيرة . وأجمع أهل العلم في كل عصر وكل مصر على جواز الإجارة ، إلا ما يحكى عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قال الله عز وجل : ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ; رجل أعطى بي ثم غدر ، ورجل باع حرا فأكل ثمنه ، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره عبد الرحمن بن الأصم أنه قال : لا يجوز ذلك ; لأنه غرر . يعني أنه يعقد على منافع لم تخلق
وهذا غلط لا يمنع انعقاد الإجماع الذي سبق في الأعصار ، وسار في الأمصار ، والعبرة أيضا دالة عليها ; فإن الحاجة إلى المنافع كالحاجة إلى الأعيان ، فلما جاز العقد على الأعيان ، وجب أن تجوز الإجارة على المنافع ، ولا يخفى ما بالناس من الحاجة إلى ذلك ، فإنه ليس لكل أحد دار يملكها ، ولا يقدر كل مسافر على بعير أو دابة يملكها ، ولا يلزم أصحاب الأملاك إسكانهم وحملهم تطوعا ، وكذلك أصحاب الصنائع يعملون بأجر ، ولا يمكن كل أحد عمل ذلك ، ولا يجد متطوعا به ، فلا بد من الإجارة لذلك ، بل ذلك مما جعله الله تعالى طريقا للرزق ، حتى إن أكثر المكاسب بالصنائع . وما ذكره من الغرر ، لا يلتفت إليه ، مع ما ذكرنا من الحاجة ، فإن العقد على المنافع لا يمكن بعد وجودها ، لأنها تتلف بمضي الساعات ، فلا بد من العقد عليها قبل وجودها ، كالسلم في الأعيان .