الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 20 ] فصل : ومن شرط صحة المضاربة تقدير نصيب العامل ; لأنه يستحقه بالشرط ، فلم يقدر إلا به . ولو قال : خذ هذا المال مضاربة . ولم يسم للعامل شيئا من الربح ، فالربح كله لرب المال ، والوضيعة عليه ، وللعامل أجر مثله . نص عليه أحمد . وهو قول الثوري ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وأصحاب الرأي . وقال الحسن ، وابن سيرين ، والأوزاعي : الربح بينهما نصفين ، لأنه لو قال : والربح بيننا .

                                                                                                                                            لكان بينهما نصفين ، فكذلك إذا لم يذكر شيئا . ولنا ، أن المضارب إنما يستحق بالشرط ، ولم يوجد . وقوله : مضاربة . اقتضى أن له جزءا من الربح مجهولا ، فلم تصح المضاربة ، كما لو قال : ولك جزء من الربح . فأما إذا قال : والربح بيننا . فإن المضاربة تصح ، ويكون بينهما نصفين ; لأنه أضافه إليهما إضافة واحدة ، لم يترجح فيها أحدهما على الآخر ، فاقتضى التسوية ، كما لو قال : هذه الدار بيني وبينك .

                                                                                                                                            وإن قدر نصيب العامل ، فقال : ولك ثلث الربح ، أو ربعه ، أو جزء معلوم ، أي جزء كان . فالباقي لرب المال ; لأنه يستحق الربح بماله ، لكونه نماءه وفرعه ، والعامل يأخذ بالشرط ، فما شرط له استحقه ، وما بقي فلرب المال بحكم الأصل . وإن قدر نصيب رب المال ، مثل أن يقول : ولي ثلث الربح .

                                                                                                                                            ولم يذكر نصيب العامل ، ففيه وجهان ; أحدهما ، لا يصح ; لأن العامل إنما يستحق بالشرط ، ولم يشترط له شيء ، فتكون المضاربة فاسدة . والثاني ، يصح ، ويكون الباقي للعامل . وهذا قول أبي ثور ، وأصحاب الرأي ; لأن الربح لهما لا يستحقه غيرهما ، فإذا قدر نصيب أحدهما منه فالباقي للآخر من مفهوم اللفظ ، كما علم ذلك من قوله تعالى : { فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث } . ولم يذكر نصيب الأب ، فعلم أن الباقي له . ولأنه لو قال : أوصيت بهذه المائة لزيد وعمرو .

                                                                                                                                            ونصيب زيد منها ثلاثون ، كان الباقي لعمرو . كذا هاهنا . وإن قال : لي النصف ولك الثلث . وسكت عن السدس ، صح . وكان لرب المال ; لأنه لو سكت عن جميع الباقي بعد جزء العامل كان لرب المال ; فكذلك إذا ذكر بعضه وترك بعضه .

                                                                                                                                            وإن قال : خذه مضاربة على الثلث أو النصف . أو قال : بالثلث أو الربع . صح ، وكان تقدير النصيب للعامل ; لأن الشرط يراد لأجله ، فإن رب المال يستحق بماله لا بالشرط ، والعامل يستحق بالعمل والعمل يكثر ويقل ، وإنما تتقدر حصته بالشرط ، فكان الشرط له ، ومتى شرطا لأحدهما شيئا ، واختلفا في الجزء المشروط لمن هو ؟ فهو للعامل ، قليلا كان أو كثيرا ; لذلك . وإن قال : خذه مضاربة ، ولك ثلث الربح ، وثلث ما بقي .

                                                                                                                                            صح ، وكان له خمسة أتساع ; لأن هذا معناه . وإن قال : لك ثلث الربح ، وربع ما بقي . فله النصف . وإن قال : لك ربع الربح ، وربع ما بقي ، فله ثلاثة أثمان ونصف ثمن . وسواء عرفا الحساب أو جهلاه ; لأن ذلك أجزاء معلومة مقدرة ، فأشبه ما لو شرط الخمسين . ومذهب الشافعي في هذا الفصل كله كمذهبنا .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية