الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 3864 ) فصل : وإن أقر بمال ، قبل تفسيره بقليل المال وكثيره . وبهذا قال الشافعي . وقال أبو حنيفة : لا يقبل تفسيره بغير المال الزكوي ; لقول الله تعالى : { خذ من أموالهم صدقة تطهرهم } . وقوله : { وفي [ ص: 110 ] أموالهم حق } .

                                                                                                                                            وحكى بعض أصحاب مالك عنه ثلاثة أوجه ; أحدها ، كقولنا .

                                                                                                                                            والثاني ; لا يقبل إلا أول نصاب من نصب الزكاة ، من نوع أموالهم . والثالث ، ما يقطع به السارق ، ويصح مهرا ; لقول الله تعالى : { أن تبتغوا بأموالكم } . ولنا ، أن غير ما ذكروه يقع عليه اسم المال حقيقة وعرفا ، ويتمول عادة ، فيقبل تفسيره به ، كالذي وافقوا عليه .

                                                                                                                                            وأما آية الزكاة فهي عامة دخلها التخصيص ، وقوله تعالى : { وفي أموالهم حق } . لم يرد به الزكاة ، بدليل أنها نزلت بمكة قبل فرض الزكاة ، فلا حجة لهم فيها ، ثم يرد قولهم قوله تعالى : { أن تبتغوا بأموالكم } . والتزويج جائز بأي نوع كان من المال ، وبما دون النصاب .

                                                                                                                                            وإن قال : له علي مال عظيم ، أو كثير ، أو جليل ، أو خطير . جاز تفسيره بالقليل والكثير ، كما لو قال : مال . لم يزد عليه . وهذا قول الشافعي . وحكي عن أبي حنيفة : لا يقبل تفسيره بأقل من عشرة دراهم ; لأنه يقطع به السارق ، ويكون صداقا عنده . وعنه : لا يقبل بأقل من مائتي درهم . وبه قال صاحباه ; لأنه الذي تجب فيه الزكاة . وقال بعض أصحاب مالك كقولهم في المال . ومنهم من قال : يزيد على ذلك أقل زيادة . ومنهم من قال : قدر الدية . وقال الليث بن سعد : اثنان وسبعون ; لأن الله تعالى قال : { لقد نصركم الله في مواطن كثيرة } . وكانت غزواته وسراياه اثنتين وسبعين .

                                                                                                                                            قالوا : ولأن الحبة لا تسمى مالا عظيما ولا كثيرا . ولنا ، أن ما فسر به المال فسر به العظيم ، كالذي سلموه ، ولأن العظيم والكثير لا حد له في الشرع ، ولا في اللغة ، ولا العرف ، ويختلف الناس فيه ; فمنهم من يستعظم القليل ، ومنهم من يستعظم الكثير ، ومنهم من يحتقر الكثير ، فلم يثبت في ذلك حد يرجع إلى تفسيره به ، ولأنه ما من مال إلا وهو عظيم كثير بالنسبة إلى ما دونه .

                                                                                                                                            ويحتمل أنه أراد عظيما عنده ; لفقر نفسه ودناءتها ، وما ذكروه فليس فيه تحديد للكثير ، وكون ما ذكروه كثيرا لا يمنع الكثرة فيما دونه ، وقد قال الله تعالى : { واذكروا الله كثيرا } . فلم ينصرف إلى ذلك ، وقال : { كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة } . فلم يحمل على ذلك . والحكم فيما إذا قال : عظيم جدا ، أو عظيم عظيم . كما لو لم يقله ; لما قررناه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية