( 4373 ) فصل : وظاهر مذهب أن أحمد ، مثل أن يبني مسجدا ، ويأذن للناس في الصلاة فيه ، أو مقبرة ، ويأذن في الدفن فيها ، أو سقاية ، ويأذن في دخولها ، فإنه قال : في رواية الوقف يحصل بالفعل مع القرائن الدالة عليه أبي داود ، وأبي طالب ، في من أدخل بيتا في المسجد وأذن فيه ، لم يرجع فيه . وكذلك إذا اتخذ المقابر وأذن للناس ، والسقاية ، فليس له الرجوع ، وهذا قول . وذكر أبي حنيفة فيه رواية أخرى ، أنه لا يصير وقفا إلا بالقول القاضي
وهذا مذهب . وأخذه الشافعي من قول القاضي ، إذ سأله أحمد عن الأثرم ؟ فقال : إن كان جعلها لله ، فلا يرجع . وهذا لا ينافي الرواية الأولى ، فإنه أراد بقوله : إن كان جعلها لله أي نوى بتحويطها جعلها لله . فهذا تأكيد للرواية الأولى ، وزيادة عليها ، إذ منعه من الرجوع بمجرد التحويط مع النية . وإن أراد بقوله : جعلها لله رجل أحاط حائطا على أرض ، ليجعلها مقبرة ، ونوى بقلبه ، ثم بدا له العود
أي : اقترنت بفعله قرائن دالة على إرادة ذلك ، من إذنه للناس في الدفن فيها ، فهي الرواية الأولى بعينها ، وإن أراد وقفا بلسانه ، فيدل بمفهومه على أن الوقف لا يحصل بمجرد التحويط والنية ، وهذا لا ينافي الرواية الأولى ; لأنه في الأولى انضم إلى فعله إذنه للناس في الدفن ، ولم يوجد هاهنا ، فلا تنافي بينهما ، ثم لم يعلم مراده من هذه الاحتمالات ، فانتفت هذه الرواية ، وصار المذهب رواية واحدة . والله أعلم . واحتجوا بأن هذا تحبيس أصل على وجه القربة ، فوجب أن لا يصح بدون اللفظ ، كالوقف على الفقراء
ولنا أن العرف جار بذلك ، وفيه دلالة على الوقف ، فجاز أن يثبت به ، كالقول ، وجرى مجرى من قدم إلى ضيفه طعاما ، كان إذنا في أكله ، ومن ملأ خابية ماء على الطريق ، كان تسبيلا له ، ومن نثر على الناس نثارا ، كان إذنا في التقاطه ، وأبيح أخذه . وكذلك دخول الحمام ، واستعمال مائه من غير إذن مباح بدلالة الحال . وقد قدمنا في البيع أنه يصح بالمعاطاة من غير لفظ ، وكذلك الهبة والهدية ، لدلالة الحال ، فكذلك هاهنا . [ ص: 352 ] وأما ، فلم تجر به عادة بغير لفظ ، ولو كان شيء جرت به العادة ، أو دلت الحال عليه ، كان كمسألتنا . والله أعلم . الوقف على المساكين