خامسا: الحوار بين الدعوة الإسلامية وأصحاب العقائد الأخرى
تشير الأدلة المنطقية والشواهد العملية إلى أن الإسلام هـو الدين المكمل لكل الديانات التي سبقته، والمرتبط بدين إبراهيم أبي الأنبياء عليه الصلاة السلام.
ولقد ألزم الله المسلمين أن يقروا بنبوة جميع الأنبياء، من لدن آدم حتى محمـد صلى الله عليه وسلم، ليس لمجـرد التسامـح، ولكن لأن الإسـلام ما جـاء إلا امتدادا لكل الديانات السماوية واحتواء لها.
وفي ضوء ذلك فإن الدعوة الإسلامية ترحب بالحوار وتؤكد على أهميته، لأنه يفتح المجال لها، ويتيح أمامها أوسع الفرص لتصحيح المعلومات، وتقديم الحقائق لهؤلاء الذين أساءوا فهمها وناصبوها العداء. وقد وضع الإسلام أساسا للعلاقة بين كل أفراد الجنس البشري يقوم على المودة والاحترام، ومساعدة الضعيف وإنقاذ الملهوف، والرفق بالإنسان أيا كان دينه ومذهبه أو أصله، وكذلك الرفق بالحيوان والكائنات كلها، [ ص: 178 ] والقرآن الكريم يحوي العديد من الآيات والمواقف التي تحث على تحقيق العدالة وعمل الخير، وتقديم المعروف لكل الناس،
حتى في حالات الغضب والكـراهيـة : ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هـو أقرب للتقوى ) (المائدة:8) .
والإسلام بهذا يحافظ على حقوق البشر جميعا، ويؤكد أن الأصل الإنساني واحد، ويسمح بلغة مشتركة مع كل الناس، وهنا يجد غير المسلمين في الإسلام ما يحقق أغراضهم، ويلبي احتياجاتهم في حياة حرة كريمة تسودها المحبة والسلام والمساواة.
ويؤكد المستشرق الإنجليزي المعروف (توماس أرنولد ) أن الملاحدة ظلوا ينعمون في ظل الحكم الإسلامي بدرجة من التسامح ليس لها مثيل في أوربا، وأن العقيدة الإسلامية تلتزم بهذا النهج مع جميع أتباع الديانات الأخرى.. كما جاء في الأخبار النصرانية شهادة تؤيد مدى التسامح الإسلامي، وهي شهادة (عيشويابه ) الذي تولى كرسي البطريركية من سنة 647 هجرية إلى سنة 657، إذ كتب يقول ما نصه: (إن العرب الذين مكنهم الرب من السيطرة على العالم، ليسوا بأعداء للنصرانية، بل يمتدحون ملتنا، ويوقرون قسيسينا وقديسينا، ويمدون يد المعونة إلى كنائسنا وأديرتنا ) [1] هذا هـو منهج الدعوة الذي وضعه الله ليلتزم به المسلمون مع غير المسلمين، ويأتي ذلك انطلاقا من التفاعل والانفتاح بين هـذا الدين وكل [ ص: 179 ] العقائد الأخرى، لكي يعطي مجالا واسعا وأرضية مشتركة للتفاهم والحوار والمعايشة، بعيدا عن الانغلاق والتعصب:
( قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون ) (الجاثية:14) .
فالرسل جميعا كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم في حديث له، هـم بناة بيت واحد، يؤسس سابقهم للاحقهم، ويشيد لاحقهم على أساس سابقهم، والعقيدة الإسلامية تؤكد على الإيمان بكل الرسل الذين بعث بهم الله، فلا تفرقة بينهم، ولذلك طلب الإيمان بهم جميعا، وبما أنزل إليهم، بل ويعتبر الإسلام أن الإيمان ببعض الرسل دون بعضهم الآخر خروج على دين الله وهديه.
وبالتالي فإن أهل الديانات والعقائد الأخرى جميعهم يجدون في القـرآن الكـريم احتراما لرسلهـم، وفي هـذا يقـول كـارل بروكلمـان:
(إنه حين أرسل الله عيسى قبل محمد، فقد أرسل موسى قبل عيسى، وحين تنبأ عيسى بمحمد فقد تنبأ موسى بعيسى، ورسالة محمد أرسلها الله إلى العالم أجمع وليس إلى قوم بعينهم، ليصحح مسيرة الرسالات التي سبقته، ويبلغ الناس بالرسالة الصحيحة التي حملها إبراهيم من قبل، والتي شوهتها الأحداث والأشخاص.. وتأسيسا على ذلك، فقد حمل الله أمانة الدعوة إلى هـذا النبي الخاتم، ليبلغها إلى البشرية جمعاء، وقد استشعر الرسول صلى الله عليه وسلم هـذه المسئولية وحمل هـذا النداء، وبلغه لكل الناس ) [2] [ ص: 180 ]
وقد قرر الإسلام أن يعامل الناس جميعا على قدم المساواة بدون التفرقة بين صعلوك وأمير، ولا بين شريف ووضيع، ولا بين غني وفقيـر، ولا بين محبوب ومكروه، ولا بين قريب وبعيد، فالعدالة الإسلامية لها ميزان واحد به يجد غير المسلمين في دعوة الإسلام ما يحقق أغراضهم، ويلبي احتياجاتهم، ويحقق طموحاتهم في حياة حرة كريمة تسودها المحبة والمساواة بين بني الإنسان.
وقد ركز الإسلام على احترام الإنسان وتكريمه مهما كان أصله أو لونه، رجلا كان أو امرأة، مسلما كان أو غير مسلم، أبيض أو أسود، والحفاظ على حقوقه ودرء الخطر عنه لا لشيء إلا لكونه إنسانا كرمه الله، ورفع قدره على سائر المخلوقات.