الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إشكاليات العمل الإعلامي (بين الثوابت والمعطيات العصرية)

الأستاذ الدكتور / محي الدين عبد الحليم

تاسعا: إشكالية الكوادر الدعوية والإعلامية

يأتي توافر المهارات الدعوية في مقدمة عوامل نجاح أو فشل الخطط الإعلامية.. وفي غيبة عناصر مؤمنة برسالتها، متفهمة لطبيعة عملها، دارسة لفنون الإعلام ونظريات الاتصال، عارفة بلغة الحوار والنقاش، يتوافر لها الذكاء والفطنة، والخلفية الثقافية، والموهبة الفطرية، والملكات الضرورية...أقول: في غيبة هـذه العناصر، فإن خطط الإعلام الدعوي لن تستطيع تحقيق أهدافها، حتى لو توافرت لها الوسائل التقنية المتقدمة، والإمكانات المادية الكبيرة، لأنه إذا كان المضمون قويا، وكانت وسيلة الإعلام المستخدمة تتمتع بقدرات فعالة، ثم تفتقر هـذه الخطط إلى دعاة وإعلاميين متمرسين، فإن هـذا سيقضي حتما على كل احتمالات نجاح العمل الإعلامي، حتى لو كان الموضوع يعالج جوانب هـامة، ويتناول قضايا حيوية.

ومن ثم فإن أجهزة الإعلام والدعوة الإسلامية، إذا لم تباشر العمل والإدارة والتخطيط، من خلال كوادر على المستوى العلمي والخلقي الرفيع، فإن المردود سوف يكون سلبيا، ولن تستطيع الدعوة الإسلامية مواجهة خصومها، ويرجع ذلك أن هـذه الكوادر تتحمل مسئولية [ ص: 132 ] تصحيح الفكر الخاطئ، وتعديل السلوك المعوج، ووضع الأمور في نصابها الصحيح.

إن الداعية أو الإعلامي المسلم، يجب أن يعرف كيف يقرأ ويسمع ويشاهد ما يدور حوله بعين ناقدة وفكر نافذ، حتى يستطيع أن يؤدي دوره بكفاءة وفاعلية، ويجب أن يكتشف الطريقة الصحيحة للتعبير عن الفكرة التي لديه، والتي يستطيع أن يؤثر عن طريقها في أكبر عدد ممكن من الناس، لأن الإعلام الناجح يشعر مستقبل الرسالة أن القائم بالاتصال يتحدث إليه حديثا خاصا، ولا يتأتي ذلك إلا إذا كان قادرا على فهم عقلية جمهوره، قريبا منهم.

ذلك أن الكوادر الإعلامية القادرة على العمل في مجتمع صناعي، قد تفشل في العمل بمجتمع ريفي أو قبلي، لأن كل مجتمع له عاداته وتقاليده وظروفه الخاصة التي تتطلب من الإعلامي الذي يتوجه إليه، قدرات من نوع معين، تمكنه من التأثير في فئة بعينها، وفي بيئة تختلف عما سواها.

وهذا يتطلب عناصر مؤهلة تأهيلا علميا صحيحا، يمكنهم من الأداء الفعال والتأثير القوي، شريطة عدم الخوض إلا فيما هـم به أدرى وأعلم،

وذلك تأكيدا لقوله تعالى: ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) (الإسراء:36) . [ ص: 133 ]

إننا اليوم في حاجة إلى دعاة يعرفون لغة العصر، وفنون الاتصال، والقدرة على الإقناع.. دعاة يستطيعون مخاطبة هـذا العالم المتغير الذي لن يعتنق الإسلام إلا بعد اقتناع، ولن يتعاطف مع المسلمين إلا بعد فهم.. دعاة يقدمون الحكمة البالغة، ويضربون المثل الأعلى في القول والعمل، ويستطيعون مخاطبة العالم بفئاته المختلفة ودياناته المتعددة وثقافاته المتنوعة.

وقد أتاحت لنا التكنولوجيا المعاصرة فرصا ذهبية لتحقيق هـذا الهدف، فرصا لم تتح لمصعب بن عمير ومعاذ بن جبل ودحية الكلبي، وغيرهم. ولو اكتشف هـؤلاء الإذاعات والقنوات الفضائية ووسائل الاتصال الحديثة ما وسعهم إلا الاستعانة بها، وتوظيفها واستخدامها لتحقيق أهداف الدعوة الإسلامية.

وإذا كانت الصراحة طريقنا، والإسلام منهجا، ورضاء الله غايتنا، فإنني أستطيع أن أقرر هـنا: أن مناهج إعداد الدعاة في الكليات والمعاهد المعنية بذلك، في حاجة إلى إعادة نظر كاملة، كما أن خطط الدعوة الإسلامية تفتقر إلى أدنى درجات التخطيط والتنسيق والجدية. وعلى القائمين على هـذه المناهج أن يعيدوا النظر في هـذه الخطط والبرامج لتصحيح المسيرة، فالعالم قد تغير كثيرا حولنا، ولعل بعض ما كان يصلح بالأمس لا يوافق ما يكتنف حياتنا اليوم. [ ص: 134 ]

وتأسيسا على ذلك فإن الداعية المسلم- أو رجل الإعلام الحصيف – يجب أن يركز اهتمامه في نقطتين أساسيتين هـما [1] :

أن يعرف ماذا يريد بعملية الاتصال.

أن يعرف كيف يوجه رسالته بما يمنحها أكبر قوة تأثير ممكنة.

وعلى من يتصدى للإعلام عن الإسلام، أن يعرف ما وراء الألفاظ، وأسرار الرموز التي تحمل مختلف المعاني، حتى يتمكن من توجيه هـذه الرموز وتوظيفها التوظيف الأمثل لتحقيق الأغراض المستهدفة، ومواجهة الآثار المحتملة، لأن هـذه الرموز لا تستخدم فقط للشرح والتوضيح، بل تستخدم أيضا للخداع والإثارة والتعمية والتضليل، وإثارة الغرائز وإحداث الصراع، وزرع الخصومات، والحض على القتال، كما أنها لا تستخدم دائما في خلق روح التعاون والمحبة والسلام، كما هـو الحال في الكلمات والعبارات التي حملت رسالات السماء [2] وبصفة عامة، فإن الدعاة ورجال الإعلام يجب أن يكونوا مزودين بمهارات الاتصال وعلوم الدعوة اللازمة لهم، لأن الدعاة الذين أحسن تأهيلهم وتدريبهم، يستطيعون أن يفهموا الأهمية الاجتماعية للدور الملقى على عواتقهم، وأن يحددوا أهدافهم، ويحسنوا اختيار الوسيلة [ ص: 135 ] المناسبة لنقل أفكارهم، وأن يتابعوا الاهتمامات المتغيرة للناس، والمستويات المختلفة للجامعات التي تشكل جماهير المستقبلين لرسالتهم، ثم يقوموا بتكييف هـذه الرسالة حسب متطلبات كل وسيلة، وحسب القدرات المختلفة لهذه الجماهير.. وأخيرا عليهم أن يعرفوا كل شيء عن المشاكل والقضايا، التي قام الباحثون بدراستها في مختلف المجالات.

وتتناسب المواصفات المطلوبة في هـذه الكوادر مع الدور الخطير الملقى على عواتقهم، لأن مهمتهم لا تقتصر على تسجيل للتاريخ فحسب، ولكنهم يسهمون في صنع هـذا التاريخ.. فالدعاة والعلماء هـم ورثة الأنبياء- ومعلوم أن الأنبياء لم يورثوا دينار ولا درهما، وإنما ورثوا الحكمة والعلم- وهم سفراء الأمة إلى الناس، يحملون أمانتها، ويبلغون رسالتها، والناس لهم تبع، فلا بد أن يكونوا مؤمنين بالدعوة، لأن الإيمان هـو الدافع للقوى الكامنة في نفس الإنسان.

وفي الجانب الآخر، فإن الإعلاميين إذا أغفلوا مسئولياتهم الدعوية، وقاموا بشغل ساعات البث وصفحات الصحف بالغث من الموضوعات، فإن الأمر هـنا يتجاوز تبديد الوقت أو المال أو الجهد إلى ترك آثار مدمرة على وجدان الجماهير وعقولهم، في حين أنهم إذا أخذوا على عواتقهم الارتقاء بالمستوى الفكري للجماهير، والتزموا بالموضوعية والتجرد في عرض البيانات ومعالجة قضايا الأمة، فإن النتائج التي يمكن أن تحقق ستكون ذات مردود إيجابي في بناء الإنسان المسلم المتوازن. [ ص: 136 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية