أولا: مهارات عملية عامة
تنطلق أهمية هـذا النوع من المهارات من أن كل مادة أو كل فرع من فروع مادة التربية الإسلامية تحتاج إلى تطبيق عملي لدعم وتعضيد ما يتعلمه المتعلم من مواقف دراسية؛ ذلك أنه لا بد من «خدمة المادة العلمية حتى يتمثلها الطالب فيسهل استيعابه لها، ويؤكد تثبيتها في الأذهان، لاعتمادها على أكبر عدد من الحواس، من خلال: المجسمات، والرسوم التوضيحية، وإجراء التجارب والبحوث، والقيام بالدراسات الميدانية»
[1] . ولكي يتحقق ذلك كله فإنه لا بد أن يمارس المتعلم المهارات العملية التي تساعده على ذلك. ومن هـذا المنطلق فإنه يمكن تقسيم المهارات العملية العامة إلى الأنواع الآتية: مهارة إجراء التجارب؛ مهارة صنع النماذج؛ مهارة الرسوم الإيضاحية؛ مهارة جمع العينات؛ مهارة إعادة العمل؛ ومهارة توظيف محتوى مادة التربية الإسلامية، كما يتضح تاليا:
1- مهارة إجراء التجارب
إن استخدام التجربة، والإفادة من التجريب في مجال تطبيق العلم، والإفادة من نتائجه، لم يكن فكرا جديدا على التربية الإسلامية، وعلى المسلمين في مختلف الأزمان والعصور. فالتجربة ممارسة معروفة أشار إليها [ ص: 132 ] القرآن الكريم، وبين فوائدها وآثارها العظيمة، وأمر بالربط بين المعرفة النظرية والمعرفة العملية المستمدة عمليا من التجربة باستخدام أدوات الحس، التي جعلها الله في كل كائن بشري. ذلك أن الفكر المستمد من استخدام الحواس «أساس التربية التجريبية في نمو الفكر التربوي وتطوره في ظل الإسلام»
[2] .
ولأهمية التجربة وتأكيد وجودها، كمهارة ضرورية يجب على الكائن البشري أن يمارسها، ذكر الله سـبحانه وتعالى أدواتها في القرآن الكريم،
كما قال تعالى: ( ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ) (الإسراء:36) ،
وقال تعالى: ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون ) (النحل:78) ،
ووجه الحق تبارك وتعالى إبراهيم عليه السلام -عندما أراد أن يتعلم- إلى التجربة الفعلية؛ ليتعلم عن كثب، من خلال التجربة التي يجريها بنفسـه،
كما قال عز وجل : ( وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ) (البقرة:260) .
وعندما يمتلك المتعلم مهارة التجريب فإنه يسير على النهج الذي امتلكه المسلمون فيما مضى من زمن؛ لأن «المنهج التجريبي في البحث العلمي هـو [ ص: 133 ] بلا ريب نتاج الإسلام»
[3] ؛ ولأن ما قدمه المسلمون من فكر ثري في مجال إجراء التجارب يؤكد عن كثب ما تحتله هـذه المهارة من منـزلة كبيرة.
وتحتاج مهارة إجراء التجارب من المتعلم ألا يتوقف عند حدود العلم النظري، وإنما عليه أن يفكر وأن يجرب ليصل بنفسه إلى النتائج المتوخاة، وهذا لا يحدث إلا إذا تمكن المتعلمون من المادة العلمية، و «مارسوا ما تعلموه من خلال خبرتهم وتجربتهم المباشرة»
[4] . كما تدفع مهارة إجراء التجارب المتعلم إلى البحث المستمر عن العلم، وتجعله يجد في طـلبه، ويصبر عليه. وإذا كان ما يتعلمه المتعلم من علم لا بد أن يكون مواكبا لمتغيرات ومستجدات العصر فإنه لا بد له من ممارسة التجريب في كثير من المواقف التي يتعلم من خلالها.
ولا يقصد من هـذه المهارة التجارب التي تتم في مجال العلوم الطبيعية فحسب، بل حتى في مجال العلوم الشرعية يمكن للمتعلم أن يفيد من مهارة إجراء التجارب في بعض المواقف، ومن الأمثلة على ذلك عندما يريد المتعلم معرفة أنواع المياه (الطاهر والطهور والنجس) يمكن أن يتم ذلك من خلال استخدام معمل المدرسة، ويمكن الإفادة من معمل التجارب في بيان بعض مظاهر قدرة الله تعالى، إلى غير ذلك من الأمثلة.
2- مهارة صنع النماذج
للنماذج أهمية كبيرة في تقريب المعنى للأذهان، وفي تصوير المعاني، من معاني مجردة إلى معاني مجسدة محسوسة، وقد وردت آيات وأحاديث تشير إلى ذلك، منها قوله تعالى: [ ص: 134 ] ( الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة الزجاجة كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولا غربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء ويضرب الله الأمثال للناس والله بكل شيء عليم ) (النور:35)
وقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمسا ما تقول ذلك يبقي من درنه؟ قالوا: لا يبقي من درنه شيئا.. قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله به الخطايا )
[5] . فالمثـال الذي استخدمه الرسول صلى الله عليه وسلم ما هـو إلا نموذج محسوس لتبسيط المعنى.
إن ذلك كله يدلل بوضوح أن الإسلام يحث المسلم على أن يفكر، ويستخدم النماذج العملية التي تخدمه وتقرب له المعاني في صور قريبة. فمهارة صنع النماذج مهارة عملية مهمة يجب أن يمتلكها المتعلم لما لها من أهمية كبيرة في توضيح الإسلام والتعريف به لدى الأمم والمجتمعات التي تجهل الدين الإسلامي. إن المتعلم عندما يتعلم هـذه المهارة، ويتمكن منها عن كثب، يكون قادرا على صياغة فكر يقدمه لمجتمعه المعاصر بأسلوب يتفق مع خصائص العصر ومتطلباته.
وتمكن مهارة صـنع النماذج المتعلم من محـاورة الآخرين وإقناعهم بما لديه، من خلال نماذج عملية محسوسة، وهذا ما فعله الإمـام مالك ، رحمه الله، عندما استخدم الصاع كنموذج عملي ليقتدي به المتعلمون في [ ص: 135 ] الحوار ومناقشة المسائل العلمية، فقد سأل أبو يوسف مالكا عن «الصاع، فقال: خمسة أرطال وثلث، فقال: ومن أين قلتم ذلك ؟ فقال مالك لبعض أصحابه أحضروا ما عندكم من الصاع. فأتى أهل المدينة أو عامتهم من المهاجرين والأنصار وتحت كل واحد منهم صاع. فقال: هـذا صاع ورثته عن أبي عن جدي صاحب رسول الله. فقال مالك هـذا الخبر الشائع عندنا أثبت من الحديث، فرجع أبو يوسف إلى قوله»
[6] .
ويستطيع المتعلم، وهو يدرس التربية الإسلامية، إعداد الكثير من النماذج العملية، من خلال اكتسابه لمهارة صنع النماذج، ومن أمثلة ذلك: إعداد نماذج ترمز للحضارة الإسلامية، فمثلا يمكنه إعداد نماذج عن: المسجد، السيف، القوس، العمـلات الإسلامية القديمة، وأدوات الكتابة. كما يمكن إعداد نماذج عن حضارة المسلمين المعاصرة.
3- مهارة الرسوم الإيضاحية
إن مهارة الرسم عموما من المهارات العملية المهمة التي تفيد المتعلم، ولها تطبيقات كثيرة في مختلف العلوم. وفي التربية الإسلامية، فإن إلمام المتعلم بمهارة الرسم يعد أمرا ضروريا، وجانبا ملحا هـو في حاجة إليه. ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ماهرا في إعداد الرسوم الإيضاحية؛ فمما روي عنه في هـذا الشأن:
( عن عبد الله قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا بيده ثم قال: هـذا سبيل الله مستقيما.. قال: ثم خط عن يمينه وشماله، ثم قال: هـذه السبل [ ص: 136 ] وليس منها سبيل إلا عليه شيطان يدعو إليه.. ثم قرأ ( وأن هـذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل ) )
[7] .
ومهارة الرسوم الإيضاحية في التربية الإسلامية لها مجالات كثيرة، من ذلك رسـم الخرائط، كأن يرسم المتعلم خريطة عليها «مواقع غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم »
[8] . أو «أن يرسم خريطة ويحدد عليها موقع الدول الإسلامية»
[9] ، أو «أن يرسم المتعلم خريطة يبين موقع الأقليات الإسلامية في دول العالم»
[10] ، أو أن يرسم خريطة ويحدد عليها «أهم المعارك الإسلامية»
[11] .
كما يمكن للمتعلم أن يتمكن من « مهارة رسم الصور والأشكال التوضيحية التي تبين مضار الربا والخمور والمخدرات»
[12] ، أو الرسوم التي تتناول أي مفهوم في التربية الإسلامية.
إن الرسوم الإيضاحية التي يتعلمها المتعلم في التربية الإسلامية، مقتديا في ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم ، هـي بمثابة خرائط مفاهيم -كما تسمى في اصطلاحها المعاصر- أو خرائط معرفة، كما يطلق عليها؛ لأن «هذه الرسوم، التي وضعها الرسول صلى الله عليه وسلم وسبق المربين المعاصرين فيها، بمثابة خريطة علمية دقيقة لتحليل المفاهيم العلمية، وإيجاد ما بينها من علاقات، وفق فهم علمي دقيق»
[13] . [ ص: 137 ]
صفوة القول: إن مهارة الرسوم الإيضاحية من المهارات العملية المهمة، لما تؤدي إليه من تدريب المتعلم على تحليل المفاهيم التي يتعلمها، ثم معرفة العلاقات التي تربط بينها؛ الأمر الذي يساعد الطالب على تطبيق المفاهيم التي يتعلمها على الوجه الأمثل.
4- مهارة جمع العينات
للعينات أثر كبير في توضيح المفاهيم والحقائق في التربية الإسلامية، فهي تنقل المتعلم من دائرة الفهم المجرد إلى الفهم الواقعي المحسوس.. ولأهمية العينات فقد استخدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ليكون قدوة للمتعلمين في الرجوع إليها والإفادة منها. ( عن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه ، قال: «إن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخذ حريرا فجعله في يمينه، وأخذ ذهبا فجعله في شماله، ثم قال: إن هـذين حرام على ذكور أمتي )
[14] .
وتساعد مهارة العينات المتعلم في الكشف عن العينات المباشرة، لما يتعلمه من موضوعات في التربية الإسلامية، كما تساعده على تنمية هـواياته الخاصة، وصقل مواهبه، وتوسيع دائرة أفقه؛ وتنمي لديه إمكانية فهم دين الإسلام على أنه دين عظيم، وأنه صالح لكل زمان ومكان، كما تمكنه من مهارات أخرى مهمة، كمهارة الدعوة إلى الله، والقـدرة على إقناع الآخرين. إن ذلك كله لا يتم لدى المتعلم بصورة فاعلة ومباشرة إلا إذا امتلك مهارة جمع العينات. ومهارة جمع العينات مهارة عملية مهمة تجعل المتعلم يفهم أن ما يتعلمه في التربية الإسلامية ليس المقصود منه تلك العلوم المحدودة زمانا ومكانا ومجالا؛ [ ص: 138 ] حتى إذا انتهى المتعلم من سنته الدراسية انقطعت صلته بالعلم، ولكنها تربي فيه أن العلم ليس له حدود، وأن ما يجمعه من عينات اليوم يفيد منه في الغد.. كما يستطيع المتعلم أن يجمع الكثير من العينات التي لها علاقة وثيقة بما يتعلمه في التربية الإسلامية. ومن أمثلة هـذه العينات: عينات عن الذهب، والفضة، وكل ما له علاقة بالموضوعات التي يدرسها المتعلم في التربية الإسلامية.
ومن هـنا يمكن القول: إن مهارة جمع العينات من المهارات العملية الضرورية في التربية الإسلامية؛ لما تتميز به من مميزات كثيرة؛ ولأنها تساعد على «إدخال الحيوية والنشاط علـى الموقف التعليمي»
[15] .
5- مهارة إعادة العمل
من الخصائص التي جبلت عليها النفس البشرية: العيب والخطأ والنقص؛ الأمر الذي يدلل على أن هـذه النفس لا يمكن أن تصل إلى درجة الكمال. وبحكم هـذه الطبيعة البشرية الجبلية؛ فإن الاستقامة والسير على المنهج الصحيح يحتاج من النفس أن تعيد عملها دائما، وأن تراجع ذاتها بين الفين والآخر. ومن هـذا المنطلق فإن المتعلم يحتاج إلى امتلاك مهارة إعادة العمل، كمهارة عملية مهمة في التربية الإسلامية. فهي تعلم الطالب أن الخطأ والنقص هـو شيمة من شيمه، وسمة من سماته، وأنه لا يمكن أن يكون منـزها عنه؛ ولكن عليه -من خلال مهارة [ ص: 139 ] إعادة العمل- أن يتعلم كيف يتجنب الخطأ؛ لأن من الخطأ الإصرار على الخطأ. وأنه لا خطأ مع مهارة إعادة العمل، ومعرفة الأسباب التي تمنع منه. ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستغرب الخطأ الذي ورد من الغلام، الذي كانت يده تطيش في صفحة الطعام؛ ولكن علمه مهارة إعادة العمل ليتجنب هـذا الخطأ، كما جاء في الحديث: ( عن عمر بن أبي سلمة قال: «كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك )
[16] .
إن امتلاك المتعلم لمهارة إعادة العمل يحفزه للإتقان في عمله، ويساعده على أن يطبق كل ما تعلمه بصورة سليمة، ذلك أن المتعلم عندما يعمل عملا «ويعيد هـو بنفسـه ذلك العمل... يتقن العمل، ويتطلع إلى إجادة العمل، خطوة خطوة»
[17] . ومهارة إعادة العمل تعود المتعلم على أن العمل له مسلمات وخطوات، ومهارته في التمكن من هـذه الخطوات؛ فالمتعلم عندما يخطئ ويستسلم لأول مرة، هـو لم يتعلم مهارة، بل لا قيمة فيما يؤديه من عمل.
من هـنا، فإنه لا بد للمتعلم أن يصبر وأن يعود نفسه على إتقان العمل؛ وسبيله المهم في ذلك هـو امـتلاكه لمهارة إعادة العمل؛ لأن «التربية النبوية -وهي تستقي مناهجها وطرائقها- فإنما تتبنى مبدأ العمل الإيجابي التنفيذي في سلوك المؤمن في نفسه، ومع أعضاء مجتمعه»
[18] . فلا بد أن يتعلم المتعلم من خلال جميع مواقف التربية الإسلامية هـذه المهارة ليعمل بصورة إيجابية [ ص: 140 ] سليمة. ويستطيع معلم التربية الإسلامية تنمية هـذه المهارة لدى تلاميذه من خلال «الملاحظة التتبعية لسلوك التلاميذ. إن مراقبة التلاميذ لمعرفة سلوكهم ومدى ملائمته للقيمة أو للفضيلة أمر مهم، بقصد إرشادهم إلى ما يجب اتباعه، وما يجب البعد عنه»
[19] .
6- مهارة توظيف المحتوى التعليمي
إن من المهارات العملية المهمة في التربية الإسلامية هـي تطبيق المتعلم لكل ما يتعلمه مباشرة؛ ذلك أن التطبيق يساعد المتعلم على فهم ما يتعلمه، بل يمكـنه مما يتعلمه، ويسـاعده على أن يبقى العـلم الذي تعلمه معه ولا ينساه، وهذا ما كان يعلمه الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين: ( عن أبي سليمان مالك بن الحويرث قال: أتينا النبي صلى الله عليه وسلم ونحن شببة متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمن تركنا في أهلنا، فأخبرناه، وكان رفيقا رحيما، فقال: ارجعوا إلى أهليكم، فعلموهم، ومروهم، وصلوا كما رأيتموني أصلي، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم، ثم ليؤمكم أكبركم )
[20] .
ومهارة توظيف المحتوى التعليمي هـي مهارة عملية يقوم المتعلم من خلالها بالتطبيق المباشر لفحوى العلم الذي تعلمه؛ حتى لا يضحى ما تعلمه مجرد كلام يحفظه ثم ينساه. وقد تعلم المسلمون هـذه المهارة وأتقنوها؛ الأمر الذي ساعد على نبوغهم العلمي في كافة الميادين. [ ص: 141 ]
فقد «جاء رجل إلى الأعمش فسأله عن مسألة، وأبو حنيفة جالس، فقال الأعمش: من أين قلت هـذا؟ فقال: من حديثك الذي حدثتناه، فقال: نحن صيادلة وأنتم أطباء»
[21] . إن هـذا يشير إلى أن العلماء يهتمون بمهارة توظيف المحتوى التعليمي، عندما يتعلمون أي علم. وكان الإمـام أحمـد بن حنبل ، رحمـه الله، يطبق كل ما يتعلمه مباشرة، وفي هـذا الصدد يقول، رحمه الله: «ما كتبت حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا وقد عملت به، حتى مر بي في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( احتجم وأعطى أبا طيبة دينارا ) ، فأعطيت الحجام دينارا حين احتجمت، وتسرى واختفى ثلاثا»
[22] . فهنا نجد أن الإمام أحمد يمتلك مهارة توظيف المحتوى التعليمي؛ وهو الأمر الذي يجعل من فعله هـذا ما يؤكد أن العلم الذي يتعلمه إنما يتم لغرض التطبيق المباشر لا لغرض الحفظ وحسب.
إن مهارة توظيف المحتوى التعليمي من قبل المتعلم تنطلق من «أن أدب العلم وفنه مسألة هـامة، هـي التي تجعل للعلم روحا وجسدا، أي تجعله كائنا حيا يتحرك ويشـعر، لا كيانا من المادة الجامـدة»
[23] ، كما تنطلق من أن ما يتعلمه الطالب في التربية الإسلامية لا يتم بصورة جيدة إلا إذا تم «ربط المعلومات الواردة في كل موضوع بحياة الطلاب الواقعية، والإكثار من ضرب الأمثلة في هـذا المجال، مع التأكيد على ناحية العمل والتنفيذ»
[24] . [ ص: 142 ]