( قال الشيخ الإمام الأجل الزاهد شمس الأئمة ، وفخر الإسلام أبو بكر محمد بن أبي سهل السرخسي    - رحمه الله - إملاء ) : ( اعلم ) بأن الرهن عقد وثيقة بمال مشروع للتوثق في جانب الاستيفاء ، فالاستيفاء هو المختص بالمال ، ولهذا كان موجبه ثبوت يد الاستيفاء حقا للمرتهن عندنا ; لأن موجب حقيقة الاستيفاء ملك عين المستوفى ، وملك اليد ، فموجب العقد - الذي هو وثيقة الاستيفاء - بعض ذلك ، وهو ملك اليد . 
وعلى قول  الشافعي    ( رحمه الله ) : موجبه ما هو موجب سائر الوثائق كالكفالة ، والحوالة ، وهو أن تزداد المطالبة به فيثبت به للمرتهن حق المطالبة بإيفاء الدين من ماليته ، وذلك بالبيع في الدين ، ولكنا نقول : الكفالة ، والحوالة عقد وثيقة ما لزمه ، والذمة محل لالتزام المطالبة فيها ، فيكون الثابت بهما بعض ما ثبت لحقيقة التزام الدين وهو المطالبة ، والرهن عقد وثيقة بمال والمال محل لاستيفاء الدين منه فعرفنا أن الثابت به بعض ما ثبت لحقيقة الاستيفاء ، وكيف يكون البيع في الدين موجب عقد الرهن  ولا يملك المرتهن ذلك بعد تمام الرهن إلا بتسليط الراهن إياه على ذلك نصا ؟ وكم من رهن ينفك عن البيع في الدين ، وموجب العقد ما لا يخلو العقد عنه بعد تمامه ، ثم جواز هذا العقد ثابت بالكتاب والسنة أما الكتاب  [ ص: 64 ] فقوله تعالى {    : وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة    } ، وهو أمر بصيغة الخبر ; لأنه معطوف على قوله تعالى {    : فاكتبوه    } . 
وعلى قوله تعالى : { وأشهدوا إذا تبايعتم    } ، وأدنى ما يثبت بصيغة الأمر الجواز ، والسنة : حديث  عائشة  رضي الله عنها {   : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما لبيته ، ورهنه درعه   } . وفي حديث  أسماء بنت يزيد  أن { رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي ، ودرعه مرهون عند يهودي بوسق من شعير   } . 
وعن  ابن عباس   ، وأنس  رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم { رهن درعه ليهودي فما وجد ما يفتكه حتى توفي ، وجاء اليهودي في أيام التعزية يطالب بحقه ليغيظ المسلمين به   } . 
وفي هذا دليل جواز الرهن  في كل ما هو مال متقوم ، ما يكون معدا للطاعة ، وما لا يكون معدا له في ذلك سواء ، فإن درعه صلى الله عليه وسلم كان معدا للجهاد به فيكون دليلا على جواز رهن المصحف  بخلاف ما يقوله الشيعة : أن ما يكون للطاعة لا يجوز رهنه ; لأنه في صورة حبسه عن الطاعة ، وفيه دليل : أن الرهن جائز في الحضر والسفر جميعا  ، فإنه رهنه صلى الله عليه وسلم بالمدينة  في حال إقامته بها بخلاف ما يقوله أصحاب الظواهر : أن الرهن لا يجوز إلا في السفر لظاهر قوله تعالى {    : وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبا فرهان مقبوضة    } ، والتعليق بالشرط يقتضي الفصل بين الوجود ، والعدم ، ولكنا نقول ليس المراد به الشرط حقيقة بل ذكر ما يعتاده الناس في معاملاتهم ، فإنهم في الغالب يميلون إلى الرهن عند تعذر إمكان التوثق بالكتاب والشهود ، والغالب أن يكون ذلك في السفر ، والمعاملة الظاهرة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ، فالرهن في الحضر ، والسفر دليل : على جوازه بكل حال 
				
						
						
