الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
ولو ارتهن المسلم من مسلم وكافر خمرا فصارت في يده خلا لم يجز الرهن ; لانعدام المالية والتقوم في الخمر بخمر في حق المسلم وموجب الرهن ثبت بالعقد عند القبض والخمر ليس بمحل لذلك في حق المسلم ، فبطل العقد ; لأنه لم يصادف محله ، والعقد الباطل بحدوث الصلاحية في المحل المضاف إليه لا ينقلب صحيحا كما لو اشترى مسلم خمرا فتخللت ، أو صيدا قبل الأخذ ثم أخذه البائع ، وللراهن أن يأخذ الخل ولا يعطيه أجرا ; لأن عين ملكه تغير بطبعه من غير أن زاد المرتهن فيه شيئا من ملكه ، أو أحدث فيه صنعا والدين عليه كما كان إن كان الراهن مسلما ، وإن كان الراهن كافرا ، وكانت قيمته - يوم رهنه - والدين سواء فله أن يدع الخل ويبطل الدين ; لأنه قبض الخمر على وجه الضمان فخمر الكافر يجوز أن تكون مضمونة على المسلم بالقبض وبالتخلل ، فإن مقصود المضمون له بصفة الخمرية كانت مقصودة له ولا وجه لإسقاط شيء من الدين باعتباره فكان له أن يجعل العين في حكم المستهلك ، ويصير المرتهن مستوفيا دينه بطريق المقاصة قيل : هذا قول محمد كما هو أصله في القلب إذا انكسر أنه تعتبر حالة الانكسار بحالة الهلاك ، والأصح أنه قولهم جميعا ; لأن أبا حنيفة وأبا يوسف ( رحمهما الله ) هناك في حال الانكسار يوجبان ضمان القيمة ; لأن تمليك العين بضمان القيمة من الضامن ممكن وهنا ذلك غير ممكن والمضمون بالرهن هو الخمر والمسلم ليس من أهل أن يكتسب بسبب ملك الخمر ببدل فلم يبق إلا أن يكون له أن يدع الخل ويبطل الدين ، وهذا بخلاف ما إذا كان المرتهن ذميا ; لأن هناك العقد صحيح ، فباعتبار صحة العقد يكون المضمون هو المالية والمالية لم تتغير بالتخلل وهنا العقد باطل ، والمضمون بالقبض هو العين ; لأن الراهن ما رضي بقبضه إلا باعتبار العقد فبدونه أشبه قبض الغصب .

ولو غصب المسلم من ذمي خمرا فتخللت عنده كان للمغصوب منه أن يدع الخل ، ويضمنه قيمته فهنا أيضا له أن يدع الخل ويختار تضمين القيمة ثم يصير قصاصا بدينه ، وقيمته يوم الرهن والدين سواء ، وبهذا التحقيق يظهر الاستيفاء عن القدر الذي ذكرنا لأبي حنيفة وأبي يوسف ( رحمهما الله ) في الفرق بين هذا وبين القلب المستهلك فإنه لا فرق سوى أن القيمة هناك من خلاف جنس الدين فلا يصير قصاصا بالدين وهنا القيمة من جنس الدين فيصير قصاصا بالدين .

التالي السابق


الخدمات العلمية