ولو لم يقض على العبد بالقصاص حتى يحضر رب المال وكذلك إن حضر رب المال والمضارب غائب ما لم يقض بالقصاص حتى يحضر المضارب ; لأن الملك لرب المال ، واليد للمضارب وهي يد مستحقة له . كانت قيمته ألف درهم ، أو أقل فقتل العبد رجلا عمدا فادعى ذلك أولياؤه على العبد ، وأقاموا عليه البينة بذلك ، والمضارب حاضر ورب المال غائب
( ألا ترى ) أنه يتمكن من التصرف باعتبارها على وجه لا يملك رب المال نهيه عن ذلك ; فنزل هو منزلة المالك ، [ ص: 120 ] واشتراط حضور المالك في القضاء بالبينة على العبد بالقود قول أبي حنيفة - رحمهما الله - وفي قول ومحمد الآخر لا يشترط ذلك ; لأن العبد في حكم دمه مبقى على أصل الحرية ، وعندهما للمولى حق الطعن في الشهود ، فلا يجوز تفويت ذلك الحق عليه بالقضاء بالبينة حال غيبته ، وقد بينا المسألة في الآبق ، فحال غيبة المضارب على الخلاف أيضا ، ولا خلاف أن أبي يوسف فإنه يقضى عليه بالقود حضرا أو لم يحضرا ; لأن الإقرار ملزم بنفسه ، وليس لهما حق الطعن في إقراره . العبد لو أقر بالقتل عمدا
ولو أقر العبد بذلك وهما حاضران يكذبانه فيه ، وللمقتول وليان فعفا أحدهما فإن حق ولي الآخر باطل ; لأن صحة إقراره باعتبار أن المستحق به دمه ، وهو خالص حقه ، وبعد عفو أحد الوليين المستحق للآخر هو المال ، وإقراره في استحقاق الملك والمالية على مولاه باطل ، كما لو أقر بجناية خطأ .
وكذلك لو كان المضارب صدقه ; لأن العبد كله مشغول برأس المال فالمضارب فيه كالأجنبي ، وباعتبار لا ينفذ إقراره كالمرتهن إذا أقر بذلك على المرهون ، فإن كان في العبد فضل فقيل له ادفع نصف حصتك إلى الولي الذي لم يعف أو افده لأنه ملك حصته من الفضل .
ولو أقر بجناية خطأ خوطب بالدفع أو الفداء ، فكذلك بجناية العمد بعد عفو أحد الوليين في نصيب الآخر فإذا احتال أحدهما بطلت المضاربة ; لأنه لو اختار الدفع فقد صار مملكه ذلك القدر من جهة نفسه لا على وجه التصرف في مال المضاربة ، وإن اختار الفداء فقد سلم له ذلك القدر بما أدى من الفداء ، وذلك يبطل عقد المضاربة فيه ، وإذا بطل حكم المضارب في بعض رأس المال ; بطل في كله فيأخذ رب المال من العبد قدر رأس ماله وحصته من الربح ، ويأخذ المضارب نصف حصته الذي بقي .
ولو لم يكن في دفعه إلا إثبات الشركة للغير في مال المضاربة لكان ذلك مبطلا للمضاربة ، ولو قيل لرب المال : ادفع نصفه أو افده بنصف الدية ; لأن العبد كله مملوك لرب المال فإقراره عليه بالجناية الموجبة للمال صحيح ، فإن دفعه ; كان النصف الباقي على المضاربة ، ورأس المال فيه خمسمائة ; لأنه في حق المضارب صار هو مستوفيا نصفه بالدفع فيكون ذلك محسوبا عليه من رأس ماله . كان المضارب أنكر ما أقر به العبد ، وأقر به رب المال وقيمته ألف أو أقل
وإن كانت قيمته أقل من ألف طرح من الألف قدر قيمة ما استهلك رب المال من العبد بالدفع ، ورأس ماله ما وراء ذلك والباقي على المضاربة ، يتمكن المضارب من التصرف فيه .
ولو كانت قيمته ألفي درهم صدق رب المال على حصته من ذلك وهو ثلاثة أرباع العبد فيقال له : ادفع نصف حصتك أو افده ويسلم لرب المال [ ص: 121 ] نصف حصته من العبد ، ويكون للمضارب حصته من العبد وهو الربع ; لأن المولى حين أقر عليه بالجناية كان العبد مشتركا بينه وبين المضارب أرباعا ، فإنما يعمل إقراره في نصيبه دون نصيب المضارب .