الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
وإذا دفع مالا مضاربة إلى رجل على أن للعامل من الربح مائة درهم ، وقال له : اعمل فيه برأيك فدفعه المضارب إلى غيره بالنصف فربح فيه ، أو وضع فالربح كله لرب المال ، والوضيعة عليه ; لأن المضارب غير مخالف في دفعه المال إلى غيره مضاربة ، فقد قال له رب المال : اعمل فيه برأيك والمضاربة الفاسدة تعتبر بالمضاربة الجائزة في [ ص: 103 ] الحكم ، فكما أنه في العقد الجائز بهذه الصورة لا يصير مخالفا بالدفع إلى غيره مضاربة ، فكذلك الفاسدة إلا أنه لا حق للأول في الربح ، فلا يستحق الثاني بشرطه شيئا من غير الربح ولكن عمل المضارب الثاني كعمل الأول ، فالربح كله لرب المال ، والوضيعة عليه ، وعلى رب المال أجر مثل المضارب الأول فيما عمل المضارب الآخر ، وللمضارب الآخر مثل نصف الربح في مال المضارب الأول ; لأنه صار مغرورا من جهته .

وقد استحق الربح من يده بعد حصوله فيرجع عليه بمثل ما أوجبه له .

ولو كان الأول أخذ المال مضاربة بالنصف ، وقيل له : اعمل فيه برأيك فدفعه مضاربة إلى آخر ، على أن له من الربح مائة درهم ، فعمل به الثاني فللثاني أجر مثله على المضارب في تلك المضاربة لما بينا : أنه بمنزلة الأجير له ، ولكن الإجارة فاسدة .

ولو كانت صحيحة كان رجوعه في مال المضاربة فكذلك في الإجارة الفاسدة ، والربح بينه وبين رب المال على الشرط ; لأن عمل أجيره كعمله بنفسه .

ولو كان رب المال حين دفعه إلى الأول قال : على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فهو بيننا نصفان ، أو قال : ما كان في ذلك من رزق فهو بيننا نصفان ، أو قال : خذ هذا المال مضاربة بالنصف ، وقال : اعمل فيه برأيك فدفعه المضارب إلى آخر مضاربة بالثلث فربح فللمضارب الآخر ثلث الربح وللأول سدسه ، ولرب المال نصفه ; لأن رب المال بهذه الألفاظ يكون شارطا نصف ربح جميع المال لنفسه ، فما أوجبه المضارب الأول للآخر يكون من نصيبه خاصة حتى لو دفعه الأول إلى الثاني مضاربة بالنصف ، فنصف الربح للمضارب الثاني ونصفه لرب المال ، ولا شيء للمضارب الأول ; لأنه حول جميع نصيبه إلى الثاني .

فإن كان المضارب الأول شرط للثاني ثلثي الربح فللمضارب الثاني نصف الربح ; لأن إيجاب المضارب الأول للثاني إنما يتم سببا لاستحقاقه فيما هو نصيب الأول ، وهو النصف دون الزيادة على ذلك ، ثم يرجع الثاني على الأول في ماله خاصة بسدس الربح أيضا ; لأنه صار مغرورا من جهته ، فإنه شرط له الثلثين ولم يسلم له إلا النصف ، وهذا الشرط من المضارب الأول غير صحيح في إبطال استحقاق رب المال ، أما في حق نفسه فهو صحيح ، وقد التزم سلامة ثلثي الربح للثاني ، فإذا لم يسلم إلا النصف رجع عليه بالسدس إلى تمام الثلثين ، ولا ضمان على المضارب الأول ; لأن رب المال قال له : اعمل برأيك فلا يصير هو مخالفا بإيجاب الشركة للغير في ربح المال .

ولو قال رب المال للأول : ما ربحت في هذا من شيء فهو بيننا نصفان ، أو : ما رزقك الله فيه ، أو قال : على أن ما كان لك فيه من فضل ، أو ربح أو [ ص: 104 ] قال : على أن ما كسبت فيه من كسب ، أو قال : على أن ما رزقك الله فيه من شيء ، أو قال : على أن ما صار لك فيه من ربح فهو بيننا نصفان ، وقال له : اعمل فيه برأيك ودفعه الأول إلى آخر مضاربة بالنصف ، أو بثلثي الربح ، أو بخمسة أسداس الربح كان ذلك كله صحيحا ، وللثاني من الربح جميع ما شرط له ، والباقي بين الأول ورب المال نصفان ; لأن رب المال بهذه الألفاظ ما شرط لنفسه نصف جميع الربح ، وإنما شرط لنفسه نصف ما يحصل للأول من الربح ; لأنه أضاف بحرف الخطاب وهو الكاف ، أو التاء فما شرطه الأول للثاني قل أو كثر لا يتناول شيئا مما شرط رب المال لنفسه ، فيستحق الثاني جميع ما شرط له ، وما وراء ذلك جميع ما حصل للمضارب الأول ، وإنما شرط رب المال لنفسه نصف ذلك ، فلهذا كان الباقي بينهما نصفين ، بخلاف الأول فرب المال هناك شرط نصف جميع ربح المال لنفسه ; لأنه أضاف الرزق والربح إلى المال دون المضارب الأول .

التالي السابق


الخدمات العلمية