وإذا ، فالقياس فيه أن يكون مشتريا لنفسه ، وهو قول كانت المضاربة ألف درهم فاشترى عليها جارية بخمسين دينارا ، وقبضها وصرف الدراهم فنقدها البائع - رحمه الله - ولكن استحسن زفر - رحمهم الله - وقالوا : هو مشتر للمضاربة ، وكذلك لو علماؤنا الثلاثة ، وجه القياس في الفصلين : أنه اشترى بجنس آخر غير ما في يده من مال المضاربة ; لأن الدراهم ، والدنانير جنسان حقيقة وحكما ; ولهذا لا يحرم التفاضل بينهما ، فكان هذا بمنزلة ما لو اشترى بالحنطة والمال في يده دراهم ، أو دنانير . كانت المضاربة دنانير فاشترى عليها بدراهم فصرفها ، ونقد الدراهم
( ألا ترى ) أنه لا يملك إيفاء الثمن من مال المضاربة إلا بالمبادلة ، أو رضا البائع به كما في المكيل ، والموزون ، وحجة الاستحسان : أن الدراهم والدنانير جنسان صورة ، ولكنهما جنس واحد معنى ، ومقصودا ; لأن المعنى المطلوب بهما الثمنية ، والمقصود هو الرواج والنفاق وهما في ذلك كشيء واحد .
وكذلك في حكم المضاربة هما كشيء واحد ، تصح المضاربة بهما بخلاف سائر الأموال ، فإن الشراء بها يكون شراء محضا بثمن في ذمة المشتري ، ويسير عليه إذ ما يلزمه من أحد النوعين في ذمته بالآخر الذي في يده ; لأن الإنسان في مصارفة أحدهما بالآخر لا يحتاج إلى مؤنة كثيرة ، فهي بمنزلة ما لو فذلك جائز استحسانا كانت المضاربة دراهم بختية لها فضل في الصرف ، فاشترى المضارب بألف درهم غلة البلد جارية ، وصرف الدراهم بالدنانير ، ثم صرفها بدراهم غلة البلد ، وأعطاها البائع - رحمه الله - يخالف [ ص: 172 ] في هذا الفصل أيضا ، ولكن من عادة وزفر - رحمه الله - الاستشهاد بالمختلف على المختلف لإيضاح الكلام . محمد
وكذلك لو ، فإن ذلك من المضاربة ، ولا فرق بين أن يشتري طعاما بالدنانير ، أو بالدراهم ، أو بالفلوس ، بخلاف ما إذا اشترى بشيء آخر ، وهذا في الفلوس بناء على الرواية التي قلنا : إن المضاربة بالفلوس يصح ، وهو كالنقود في الصلاحية لرأس مال المضاربة . دفع إلى رجل ألف دينار مضاربة فاشترى بخمسين دينارا منها جارية ، وقبضها ثم اشترى بها وبدراهم أو فلوس طعاما يأكله
ولو كان الذي في يده من المضاربة سوى هذه الثلاثة الأصناف ، ثم اشترى عليها بدراهم ، أو دنانير أو فلوس ، أو صنف آخر غير ما في يده كان مشتريا لنفسه ; لأنه لا مجانسة بين ما في يده من مال المضاربة ، وبين ما اشترى به في الصورة ، والمعنى المقصود ; فلهذا كان مشتريا لنفسه .