ولو ، فإن ثمن الجارية يستوفي منه رب المال رأس ماله ، وما بقي فهو ربح بينهما على ما اشترطا : ثلثاه للمضارب ، وثلثه لرب المال . دفع إليه ألف درهم مضاربة ، وأمره أن يستدين على المال على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فهو بينهما : للمضارب ثلثاه ، ولرب المال ثلثه ، فاشترى المضارب بالألف جارية تساوي ألفين ، ثم اشترى على المضاربة غلاما بألف درهم يساوي ألفين فباعهما جميعا بأربعة آلاف
وأما ثمن الغلام فيؤدي منه ثمنه ، والباقي بينهما نصفان ; لأن الأمر بالاستدانة كان مطلقا ، فالمشترى بالدين يكون مشتركا بينهما نصفين ، ومع المناصفة بينهما في المشترى لا يصح شرط التفاوت في الربح .
( ألا ترى ) أن رجلين لو اشتركا [ ص: 179 ] بغير مال على أن يشتريا بالدين ويبيعا ، فما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فهو بينهما أثلاثا فاشتريا ، وباعا وربحا كان الربح بينهما نصفين فاشتراطهما الثلثين ، والثلث في الربح يكون لغوا ; لأنه لو صح ذلك استحق أحدهما جزءا من ربح ما ضمنه صاحبه ، وذلك لا يجوز ، فكذلك المضارب إذا أمره رب المال أن يستدين على المضاربة ، وشرط الثلث والثلثين في الربح لا في أصل الاستدانة ، فإن كان أمره أن يستدين على المال على أن ما اشترى بالدين من شيء فلرب المال ثلثه ، وللمضارب ثلثاه على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فهو بينهما نصفان ، فاشترى المضارب بالمضاربة جارية تساوي ألفين ، واشترى على المضاربة جارية بألف دينا تساوي ألفين ، فباعهما بأربعة آلاف درهم فحصة جارية المضاربة يأخذ منه رب المال رأس ماله : ألف درهم ، والباقي بينهما نصفان على ما اشترطا ، وثمن الجارية المشتراة بالدين بينهما أثلاثا على قدر ملكيهما ; لأنه إنما وكله بالاستدانة على أن يكون ثلث ما يستدين لرب المال ، وثلثاه للمضارب ، فيكون الثمن بينهما على قدر ذلك ، واشتراط المناصفة في الربح في هذا يكون باطلا ; لأن أحدهما يشترط لنفسه ربح ما قد ضمن صاحبه وذلك باطل .
ولو فأما حصة المضاربة فتكون بينهما على شرطهما بعد ما يستوفي رب المال رأس ماله ، وحصة الجارية المشتراة بالدين بينهما ; لأن ضمانها عليهما نصفين ; لإطلاق الأمر بالاستدانة ، فاشتراط كون الربح بينهما أثلاثا بعد المساواة في الضمان يكون باطلا . دفع إليه الألف مضاربة على أن ما رزق الله تعالى في ذلك من شيء فهو بينهما كذلك أيضا ، فاشترى بالمضاربة جارية تساوي ألفين ، ثم اشترى على المضاربة جارية بألف دينار تساوي ألفين فباعهما بأربعة آلاف ،
وكذلك لو كان أمره أن يستدين على رب المال ; لأن قوله استدن على المضاربة ، وقوله استدن على سواء في المعنى ، وما استدان سواء كان بقدر مال المضاربة ، أو أقل أو أكثر ، فهو بينهما نصفان فربحه ووضيعته بينهما نصفان ، حتى لو هلكت المشتراة بالدين كان ضمان ثمنها عليهما نصفين .
ولو كان أمره أن يستدين على نفسه ، كان ما اشتراه المضارب بالدين له خاصة دون رب المال ; لأنه في الاستدانة على نفسه يستغني عن أمر رب المال فكان وجود أمره فيه وعدمه سواء بخلاف ما إذا أمره أن يستدين على المال أو على رب المال ; لأنه في الاستدانة على رب المال ، أو على المال لا يستغني عن أمر رب المال ، فلا بد من اعتبار أمره في ذلك ، وأمره بالاستدانة على المال كأمره بالاستدانة على رب المال ; لأن ملك المال لرب المال ، والمال محل لقضاء الواجب لا للوجوب فيه ، فالواجب يكون على رب المال ، ثم أمره [ ص: 180 ] بالاستدانة عليه مطلقا يقتضي الشركة بينهما فيما يستدين ، ولا تكون هذه الشركة بطريق المضاربة ; لأن المضاربة لا تصح إلا برأس مال عين ، فكانت هذه الشركة في معنى شركة الوجوه ، فيكون المشترى مشتركا بينهما نصفين ، فلا يصح منهما شرط التفاوت في الربح مع مساواتهما في الملك في المشترى .
ولو كان أمره أن يستدين على المال ، أو على رب المال فاشترى بالمضاربة جارية ، ثم استقرض المضارب ألف درهم على المضاربة ، واشترى بها جارية فهو مشتر لنفسه خاصة ، والقرض عليه خاصة منهم ، من يقول : إن الاستدانة هو الشراء بالنسيئة والاستقراض غيره ؟ فلا يدخل في مطلق الأمر بالاستدانة ، والأصح أن يقول : الأمر بالاستقراض باطل .
( ألا ترى ) أنه لو أمر رجلا أن يستقرض له ألفا من فلان فاستقرضها كما أمره كان الألف للمستقرض دون الآخر وهذا ; لأن القرض مضمون بالمثل في ذمة المستقرض ، وإذا كان البدل في ذمته ; كان المستقرض مملوكا له ، وهو غير محتاج في ذلك إلى أمر الآمر ، وما كان الأمر بالاستقراض إلا نظير الأمر بالتكدي وهو باطل ، وما يحصل للمتكدي يكون له دون الآمر إذا ثبت هذا ، فنقول ما استقرضه المضارب يكون مملوكا له ، فإذا اشترى به جارية فقد أضاف العقد إلى ملك نفسه فكان مشتريا الجارية لنفسه .