فصل في خيار النقيصة وهو المتعلق بفوات مقصود مظنون نشأ الظن فيه من التزام شرطي أو قضاء عرفي أو تغرير فعلي ، ومر الكلام على الأول وشرع يتكلم على الثاني فقال ، وآثروا الأول لأن الغالب في الثمن الانضباط فيقل ظهور العيب فيه ، وسيأتي [ ص: 26 ] أن القديم ما قارن العقد أو حدث قبل القبض وقد بقي إلى الفسخ إجماعا في المقارن ، ولأن المبيع في الثاني من ضمان البائع فكذا جزؤه وصفته وإن قدر من خير على إزالة العيب . ( للمشتري الخيار ) في رد المبيع ( بظهور عيب قديم ) فيه ، وكذا للبائع بظهور عيب قديم في الثمن
نعم لو لم يتخير بقدرته على تحليله كالبائع : أي لأنه لا مشقة فيه ، فإن كان بإذن السيد تخير ، فإن حدث العيب بفعل المشتري قبل القبض أو كانت الغبطة في الإمساك والمشتري مفلس أو ولي أو عامل قراض أو وكيل ورضيه موكله [ ص: 27 ] فلا خيار وكالعيب فوات وصف يزيد في قيمته قبل قبضه وقد اشتراه به كأن اشترى رقيقا كاتبا أو متصفا بصفة أخرى ثم زالت تلك الصفة بنسيان أو غيره في يد البائع فيثبت للمشتري الخيار وإن لم يكن فواتها عيبا قبل وجودها . اشترى محرما بنسك بغير إذن سيده
قال ابن الرفعة .
وهذا لا شك فيه ( كخصاء ) بالمد ( رقيق ) أو بهيمة وهو مما يغلب في جنس المبيع عدمه فيها .
أما لو فلا يكون عيبا لغلبته فيها كما قاله كان الخصاء في مأكول يغلب وجوده فيها أو نحو بغال أو براذين الأذرعي والزركشي وصرح به الروياني ، وهو ظاهر بدليل الضابط الآتي فيكون كالثيوبة في الإماء ، ومثل الخصاء فيما تقرر الجب لأن الفحل يصلح لما لا يصلح له الخصي ، ولا نظر لزيادة القيمة به باعتبار آخر لما فيه من فوات جزء مقصود من البدن وقطع الشفرين عيب كما شمله كلامهم ، وغلبته في بعض الأنواع لا توجب غلبته في جنس الرقيق ( وزناه ) [ ص: 28 ] ذكرا أو أنثى ولواطه وتمكينه من نفسه وسحاقها ( وسرقته ) إلا في دار الحرب فإن المأخوذ غنيمة .
نعم هو صورة سرقة ( وإباقه ) إلا إذا جاء إلينا مسلما من بلاد الهدنة لأن هذا إباق مطلوب ، إذا عاد وإلا فلا رد ولا أرش ، وسواء في هذه الثلاثة أتكررت أم لا ، ولو تاب فاعلها وحسن حاله لأنه قد يألفها ولأن تهمتها لا تزول ، ولهذا لا يعود إحصان الزاني بتوبته ، وهذا هو المعتمد وإن رده بعض المتأخرين ، والفرق بين السرقة والإباق وبين شرب الخمر ظاهر ، والأوجه أن وطء البهيمة كذلك ، وأفتى ومحل الرد به البغوي بأنه يتخير لأنه لم يتحقق زناها قبل العقد ، وأقره غير واحد ومنه يؤخذ أن الشراء مع ظن العيب [ ص: 29 ] لا يسقط الرد . فيمن اشترى أمة ظنها هو وبائعها زانية وبانت كذلك
نعم يتجه حمله على ظن مساو طرفه الآخر أو مرجوح ، فإن كان راجحا فلا لأنه كاليقين ، ويؤيده إخبار البائع بعينه إذ لا يفيد سوى الظن ، ولو فله رده به ، ولا يمنع منه قوله المذكور لأنه بناه على ظاهر الحال ( وبوله بالفراش ) مع اعتياده ذلك وبلوغه سبع سنين بخلاف ما دونها : أي تقريبا لقول اشترى شيئا فقال إنه لا عيب به ثم وجد به عيبا وغيره بأن لا يكون مثله يحترز منه ، ومحله إن وجد البول في يد المشتري أيضا ، وإلا فلا لتبين أن العيب زال ، وليس هو من الأوصاف الخبيثة التي يرجع إليها الطبع بخلاف ما قبله ، وشمل كلامه ما لو لم يعلم به إلا بعد كبره فله الرد به على الأصح وإن حصل بسبب ذلك زيادة نقص في القيمة خلافا القاضي أبي الطيب للمتولي ومن تبعه ( وبخره ) المستحكم بأن علم كونه من المعدة لتعذر زواله بخلافه من الفم لسهولة زواله بالتنظيف ، ويلحق به تراكم وسخ على أسنانه تعذر زواله ( وصنانه ) المستحكم المخالف للعادة دون ما يكون العارض عرق أو حركة عنيفة أو اجتماع وسخ ومرضه وإن لم يكن مخوفا .
نعم لو كان خفيفا كصداع يسير فلا رد به خلافا لبعضهم أخذا مما ذكروه في أعذار الجمعة والجماعة ، ولو ظن مرضه عارضا فبان أصليا تخير كما لو ظن البياض بهقا فبان برصا .
ومن وهي لا تكاد تنحصر كونه نماما شتاما أو آكل الطين أو تمتاما [ ص: 30 ] مثلا أو كذابا أو قاذفا أو مقامرا أو تاركا للصلاة . عيوب الرقيق
قال الزركشي : وينبغي اعتبار ترك ما يقتل به ا هـ .
وهو ظاهر وفي إطلاق كون الترك عيبا نظر لا سيما من قرب عهده ببلوغ أو إسلام إذ الغالب عليهم الترك خصوصا الإماء بل هو الغالب في قديمات الإسلام .
وقضية الضابط أن يكون الأصح منع الرد أو شاربا للخمر أو نحوه مما يسكر وإن لم يسكر بشربه .
قال الزركشي كالأذرعي ، وينبغي أن يكون محله في المسلم دون من يعتاد ذلك من الكفار فإنه غالب فيهم وهو ظاهر مأخوذ من الضابط الآتي ، ومثل المشروب البنج والحشيش أو أصم ولو في إحدى أذنيه أو أقرع أو أبله أو أرت أو لا يفهم أو ألثغ أو مجنونا وإن تقطع جنونه أو أشل أو أجهر أو أعشى أو أخشم أو أبكم أو فاقد الذوق أو أنملة أو ظفر أو شعر ولو عانة أو في رقبته لا ذمته دين [ ص: 31 ] أو مبيعا في جناية عمد وإن تاب منها كما جزم به في الأنوار وهو المعتمد خلافا لبعض المتأخرين أو مكثرا لجناية الخطأ بخلاف ما إذا قل والقليل مرة وما فوقها كثير كما اقتضاه كلام الماوردي أو له أصبع زائدة أو سن شاغية أو مقلوعة لا لكبر أو به قروح أو ثآليل كثيرة أو جرب أو عمش أو سعال أو وشم كما في الأنوار وهو محمول على غير معفو عنه أما معفو عنه بأن خشي من إزالته مبيح تيمم ولم يحصل به شين .
فالأوجه أنه لا يكون عيبا ولا ينافيه ما أذكره في الغلبة لأن هذا إطلاق يمكن تخصيصه بما ذكر لوضوح المعنى فيه أو مزوجا أو خنثى مشكلا أو واضحا أو مخنثا أو مرتدا وإن تاب قبل العلم كما قاله الماوردي وتبعه الأذرعي خلافا لبعض المتأخرين ، أو كونها رتقاء أو قرناء أو مستحاضة أو تغير ريح فرجها أو تطاول ظهرها أو لا تحيض في سنه غالبا أو حاملا لا في البهائم إذا لم تنقص بالحمل أو معتدة ولو كانت محرمة عليه بنسب أو رضاع أو مصاهرة خلافا للجيلي ، أو كافرا ببلاد الإسلام أو كافرة كفرا يحرم وطأها واصطكاك الكعبين وانقلاب القدمين شمالا ويمينا وتغير الأسنان بسواد أو خضرة أو زرقة أو حمرة كما بحثه الشيخ [ ص: 32 ] وكلف يغير البشرة وكبر إحدى ثديي الأمة وخيلان بكسر الخاء كثيرة وآثار الشجاج والقروح والكي الشائنة ( وجماح الدابة ) بالكسر وهو امتناعها على راكبها ( وعضها ) وكونها رموحا أو نفورا أو تشرب لبنها أو لبن غيرها أو يخاف راكبها سقوطه عنها لخشونة مشيها أو كونها درداء لا لكبر أو قليلة الأكل أو مقطوعة الأذن بقدر ما يمنع التضحية وكون الدار مختصة بنزول الجند ومجاورتها لنحو قصارين يؤذونها بدق أو يزعزعونها ولو تأذى به سكانها فقط ، أو ظهر بقربها دخان من نحو حمام ، أو على سطحها ميزاب رجل ، أو مدفون فيها ميت أو ظهر قبالة بوقفها وعليها خطوط المتقدمين ، وليس في الحال ما يشهد به إلا أن يعلم أنها مزورة .
وذكر بعضهم أن الشيوع بين الناس بوقفيتها عيب وهو ظاهر لأنه ينقص القيمة ، أو كون الضيعة ثقيلة الخراج فوق العادة ، أو بقربها قرود تفسد الزرع ولا أثر لظنه سلامتها من خراج معتاد ويتصور بيع الأرض مع كونها خراجية بما حكاه الرافعي في زكاة النبات .
عن بعضهم أنه يجوز أن يقال : الظاهر أن اليد للملك ، والظاهر أن الخراج إنما ضرب بحق فلا يترك أحد الظاهرين للآخر ، ولو ثبت له الخيار إن كان معروفا بذلك وإلا فلا كما أفتى به اشترى بستانا فألزمه المتولي أن يصير فلاحا المصنف ، وكون المبيع متنجسا ينقص بغسله أو لغسله مؤنة كما قاله الأذرعي ، وكون الماء يكره استعماله أو اختلف في طهوريته كمستعمل كوثر فصار كثيرا أو وقع فيه ما لا نفس له سائلة كما قاله [ ص: 33 ] الزركشي ، وكون أرض البناء في باطنها رمل أو أحجار مخلوقة وقصدت لزرع أو غرس وإن أضرت بأحدهما فقط كما قاله القاضي أبو الطيب والبندنيجي وغيرهما فيما لو أضرت بالغرس دون الزراعة وقيس به عكسه ، والحموضة في البطيخ لا الرمان عيب وإن خرج من حلو كما اقتضاه إطلاقهم خلافا للأذرعي ، ولا رد بكون الرقيق رطب الكلام ، أو غليظ الصوت ، أو يعتق على من وقع له العقد ، أو بكونه يسيء الأدب ، أو ولد زنا ، أو مغنيا ، أو زامرا ، أو عارفا بالضرب بالعود ، أو حجاما ، أو أكولا ، أو قليل الأكل ، أو أصلع ، أو أغم ، ولا بكونها ثيبا إلا في غير أوانها ، ولا عقيما ، ولا يكون العبد عنينا ، ولا بكونها محرما للمشتري ولا صائمة ، ولا بكون العبد فاسقا فسقا لا يكون سببه عيبا كما قيده به السبكي ، وليس عدم الختان عيبا إلا في عبد كبير يخاف عليه منه بخلاف الأمة ولو كبيرة .
وضابط الكبر ما يخاف من الختان فيه ، قال الأذرعي : كذا أطلقوه وينبغي أن يكون محله فيما إذا كان ممن يختتن ، أما لو كان من قوم لا يرونه كأكثر النصارى والترك وغيرهم فلا إلا أن يكون قد تقادم إسلامه أو نشأ التركي ببلاد الإسلام ا هـ .
والأوجه الإطلاق .
ولو لم يرد ، ولا مطمع في استيفاء العيوب بل التعويل فيها على الضابط الذي ذكروه لها ( و ) هو وجود ( كل ما ينقص ) بالتخفيف كيخرج وقد يشدد بقلة وهو متعد فيهما ( العين أو القيمة نقصا يفوت به غرض صحيح ) يصح عوده إلى العين والقيمة ، وأن يكون قيدا لنقص الجزء فقط احترازا عن قطع زائد وفلقة يسيرة من الفخذ أندملت بلا شين ، وعن الاندمال بعد الختان فإنه فضيلة وجرى عليه جمع من الشراح وبنوا عليه الاعتراض على ظن المشتري البائع مالكا فبان وكيلا أو وصيا أو وليا أو ملتقطا المصنف بأنه كان ينبغي ذكره عقبه إما بأن يقدم ذكر القيمة أو يجعل هذا القيد عقب نقص العين قبل ذكر القيمة [ ص: 34 ] وتبعهم الشيخ في منهجه ( إذا غلب ) في العرف العام لا في محل البيع وحده فيما يظهر .
ومحل الكلام فيما لم ينصوا فيه على كونه عيبا وإلا فلا اعتبار فيه بعرف يخالفه مطلقا كما لا يخفى ( في جنس المبيع عدمه ) قيد لهما احترازا في الأول عن قلع الأسنان في الكبير وفي الثاني عن ثيوبة الكبيرة وبول الصغير ، فإنهما وإن نقصا القيمة لا يغلب عدمهما في جنس المبيع ( سواء ) في ثبوت الخيار ( أقارن ) العيب ( العقد أم حدث ) بعده ( وقبل القبض ) أم بعده واستند إلى سبب كما سيأتي لأن المبيع حينئذ من ضمان البائع كما لو فله الرد ، فإن كان عالما فلا خيار له كما ذكره اشترى بكرا مزوجة وهو جاهل فأزال الزوج بكارتها السبكي وغيره ، ولا أرش لرضاه بسببه .