الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو ) ( باع ) حيوانا أو غيره ( بشرط براءته من العيوب ) في المبيع أو أن لا يرد بها صح العقد مطلقا كما علم مما مر في المناهي [ ص: 37 ] لأنه شرط يؤكد العقد ويوافق ظاهر الحال من السلامة من العيوب ، وإذا شرط ( فالأظهر أنه يبرأ عن عيب باطن ) من زيادته على المحرر ولا بد منها كما قاله في الدقائق ( بالحيوان ) موجود حال العقد ( لم يعلمه ) البائع ( دون غيره ) أي غير العيب المذكور فلا يبرأ عن عيب في غير الحيوان ولا فيه لكن حدث بعد البيع وقبل القبض مطلقا ، ولا عن عيب ظاهر في الحيوان علمه البائع أولا لسهولة الاطلاع عليه والعلم به غالبا ، فأعطيناه حكم المعلوم وإن خفي على ندور ، فلو جهله مع سهولة علمه به فوجهان أصحهما عدم البراءة منه لكونه ظاهرا كما يؤخذ من التعليل ، وفي تصديق البائع في وجوده عند العقد وجهان أصحهما تصديقه بيمينه ، ولا عن باطن بالحيوان علمه لما صح [ ص: 38 ] عن ابن عمر وأنه باع عبدا له بثمانمائة درهم بالبراءة ، فقال له المشتري : به داء لم تسمه لي ، فاختصما إلى عثمان فقضى على ابن عمر أن يحلف لقد باعه العبد وما به داء يعلمه ، فأبى أن يحلف وارتجع العبد فباعه بألف وخمسمائة .

                                                                                                                            وفي الشامل وغيره أن المشتري زيد بن ثابت وأن ابن عمر كان يقول : تركت يمينا لله فعوضني الله عنها .

                                                                                                                            دل قضاء عثمان المشتهر بين الصحابة ولم ينكروه على البراءة في صورة الحيوان المذكورة ، وفارق غيره بأنه يأكل في حالتي صحته وسقمه فقلما ينفك عن عيب باطن أو خفي ، فاحتاج البائع لهذا الشرط ليثق بلزوم البيع فيما يعذر فيه ، والمراد بالباطن ما يعسر الاطلاع عليه ، والظاهر خلافه بأن لا يكون داخل البدن على أقرب الاحتمالات ، ومن الظاهر نتن لحم المأكولة ولو حية كما هو ظاهر لسهولة الاطلاع عليه ولو مع الحياة كما يستفاد مما يأتي في الجلالة ( وله ) أي المشتري ( مع هذا الشرط ) إذا صح ( الرد بعيب ) في الحيوان ( حدث ) بعد العقد و ( قبل القبض ) لانصراف الشرط إلى الموجود عند العقد ( ولو ) ( شرط البراءة عما يحدث ) وحده أو مع الموجود ( لم يصح ) الشرط ( في الأصح ) لأنه إسقاط للشيء قبل ثبوته فلا يبرأ من ذلك كما لو أبرأه من ثمن ما يبيعه له ، [ ص: 39 ] والثاني يصح بطريق التبع فإذا انفرد الحادث فهو أولى بالبطلان ، أما البيع فصحيح ، وخرج بشرط البراءة العامة شرطها من عيب مبهم أو معين يعاين كبرص لم يره محله فلا يصح لتفاوت الأغراض باختلاف عينه وقدره ومحله ، ولا يقبل قول المشتري في عيب ظاهر لا يخفى عند الرؤية غالبا لم أره بخلاف ما لا يعاين كزنا أو سرقة ، إذ ذكره إعلام به ومعاين أراه إياه لرضاه به .

                                                                                                                            ويؤخذ من هذا رد ما أفتى به بعضهم فيمن أقبضه المشتري ثمنه وقال له استنقده فإن فيه زيفا فقال رضيت بزيفه فطلع فيه زيف فإنه لا رد به ، ووجه رده عدم معرفته قدر ما في الدرهم من الزيف بمجرد مشاهدته فلم يؤثر فيه الرضا نظير ما مر .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : ولو باع ) أي العاقد سواء كان متصرفا عن نفسه أو وليا أو وصيا أو حاكما أو غيرهم كما يفيده إطلاقه ، وينبغي تقييده بالشارط المتصرف عن نفسه لا عن غيره لأنه إنما يتصرف بالمصلحة وليس في ذلك مصلحة ، فلا يصح العقد أخذا مما تقدم أن الوكيل لا يجوز له أن يشتري المعيب ولا أن يشرط الخيار للبائع أو لهما ، فلو شرط المشتري البراءة من العيوب في المبيع أو البائع البراءة من العيوب في الثمن وكلاهما يتصرف عن غيره لم يصح لانتفاء الحظ لمن يقع العقد له ( قوله : ولو باع حيوانا أو غيره ) مع قوله صح العقد مطلقا تصريح بأنه لو باع غير الحيوان بهذا الشرط صح البيع دون الشرط ا هـ سم على حج ( قوله : في المبيع ) مثله ما لو اشترى بشرط براءته من العيوب في الثمن ، ولعله ترك التنبيه عليه لما مر من أن الثمن مضبوط غالبا فلا يحتاج إلى شرط البراءة فيه ( قوله : أو أن لا يرد بها ) مثله في الشيخ عميرة بعنوان : لو قال بشرط أن لا ترده جرى فيه الخلاف المذكور ا هـ .

                                                                                                                            ويشكل على ذلك ما مر من أنه إذا شرط خلاف مقتضى العقد لم يصح العقد ، اللهم إلا أن يقال : إن هذا لما كان مؤكدا للعقد وموافقا للظاهر مع كون الأصل السلامة من العيوب اكتفى به .

                                                                                                                            وقال الشيخ عميرة : ومثله ما لو قال : أعلمك أن به جميع العيوب فهذا كشرط البراءة أيضا ، لأن ما لا تمكن معاينته منها لا يكفي ذكره مجملا ، وما يمكن لا تغني تسميته ( قوله : صح العقد ) جعل جواب لو محذوفا ، وقوله فالأظهر جوابا لمقدر [ ص: 37 ] فيفيد أن صحة العقد لا خلاف فيها ، وفي كلام المحلي أنه قيل ببطلانه بناء على بطلان الشرط ، ويشعر به قول الشارح الآتي : وله مع هذا الشرط إذا صح ، وعليه فكان الأولى جعل قوله فالأظهر هو الجواب ، وكأنه عدل عنه لكون الخلاف في الصحة ليس بأقوال ولقول المتن أنه يبرأ الظاهر في كون الخلاف في البراءة دون صحة العقد ( قوله : ويوافق ظاهر الحال ) يتأمل هذا مع التصوير ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            أقول : قوله يتأمل هذا لعل وجه الأمر بالتأمل أنه يرد في غير العيب الباطن فلا معنى لحصول التأكيد فيه ، وقد يجاب بأنه يؤكده بحسب الظاهر أو في بعض صوره وهو العيب الباطن ، ومراده بالتصوير قوله وحيوانا أو غيره ( قوله : أنه يبرأ عن عيب ) يستفاد من كلام المصنف أن برأ يتعدى بمن وعن ، لكن في المختار الاقتصار على تعديته بمن وعليه ، فقوله يبرأ عن عيب يضمن معنى التباعد مثلا ( قوله : من زيادته ) أي لفظ باطن وهل الكفر من الظاهر أو من الباطن تردد فيه شيخنا الزيادي ومال إلى أنه من الظاهر أخذا من قولهم في الإمامة لو بان إمامه كافرا وجب عليه الإعادة ، وجزم ثانيا بأنه من العيوب الظاهر من غير تردد ، كذا رأيته بخط بعض الفضلاء وهو ظاهر ، وعليه فلو باع رقيقا بشرط براءته من العيوب فوجده المشتري كافرا ثبت له الرد ، ومن الظاهر الجنون أيضا وإن كان متقطعا فيثبت به الرد ( قوله : موجود ) هذا مستفاد من قول المصنف وله مع هذا الشرط الرد بعيب حدث إلخ ( قوله ولا فيه ) أي الحيوان ( قوله : مطلقا ) ظاهرا وباطنا ( قوله : والعلم به غالبا ) يندفع به ما يقال يرد عليه ما لو باعه اعتمادا على رؤية سابقة بشرط البراءة وطرأ عليه عيب بعد الرؤية وقبل العقد فإنه حينئذ يخفى على البائع .

                                                                                                                            ( قوله : فلو جهله ) أي البائع بأن ادعى عدم الاطلاع عليه ( قوله : أصحهما عدم البراءة ) وهل يتوقف رد المشتري على حلفه بأن البائع علمه أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الثاني لأنه لما كان مما يقطع بخلافه لم يتوقف على يمين ( قوله : لكونه ظاهرا ) أي بالنسبة للبائع وكان يخفى على غالب الناس وبه يندفع ما يقال كيف فرض الخلاف فيه مع علمه من قول المصنف ولو باع بشرط إلخ ( قوله : وفي تصديق البائع في وجوده إلخ ) أي فيما إذا اطلع فيه على عيب باطن وادعى المشتري أنه حدث بعد العقد وقبل القبض ليرد به وادعى البائع وجوده عند العقد لتشمله البراءة فيمتنع الرد به ( قوله : في وجوده ) أي الباطن ( قوله : أصحهما تصديقه ) [ ص: 38 ] أي فلا رد به ( قوله : بالبراءة ) أي بشرط البراءة ( قوله : فعوضني الله عنها ) أي خيرا ( قوله : المشتهر بين الصحابة ) قيل إن ابن عمر خالف في ذلك فلا ينهض الإجماع ا هـ ع ( قوله : في صورة الحيوان المذكورة ) أي في قول المصنف فالأظهر أنه يبرأ عن عيب إلخ ( قوله : وفارق ) أي الحيوان غيره : أي حيث برئ فيه البائع من العيب الباطن المذكور .

                                                                                                                            ( قوله : وسقمه ) قال في المصباح : سقم سقما من باب تعب طال مرضه ، وسقم سقما من باب قرب فهو سقيم وجمعه سقام مثل كريم وكرام ويتعدى بالهمزة والتضعيف ، ولم يفسره بشيء في الصحاح فاقتضى أن السقم اسم للمرض لا بقيد الطول ، وفي القاموس السقم المرض ومقتضاه ذلك أيضا ، واقتصر في المختار على الأول ، وكتب عليه الشيخ عميرة : يعني أنه يأكل في حال صحته وفي حال مرضه فلا نهتدي إلى معرفة مرضه إذ لو كان شأنه ترك الأكل حال المرض لكان الحال بينا ( قوله : عن عيب باطن ) عبارة حج : ظاهر أو خفي ا هـ .

                                                                                                                            وهي أوضح لظهور المقابلة لأن الباطن خفي دائما وهو الذي يبرأ منه وإن كان الظاهر قد يكون خفيا على ندور كما تقدم في كلامه ( قوله : ما يعسر الاطلاع عليه ) ومنه الزنا والسرقة فيما يظهر لعسر الاطلاع عليهما من الرقيق ( قوله : داخل البدن ) قال سم نقلا عن الشارح : المراد بالباطن ما لا يطلع عليه غالبا ولم يزد على ذلك ، وعليه فالمراد بداخل البدن ما يعسر الاطلاع عليه ككونه بين الفخذين لا خصوص ما في الجوف ، ويوافق هذا الحمل ما في حاشية شيخنا الزيادي وعبارته : والباطن ما يعسر الاطلاع عليه والظاهر بخلافه ، وقيل الباطن ما كان داخل الجوف والظاهر بخلافه ا هـ .

                                                                                                                            وفي حواشي شرح الروض لوالد الشارح ما يوافق الحمل المذكور أيضا ( قوله : لسهولة الاطلاع عليه ) أي بنحو ريح عرقها ( قوله : إذا صح ) يشعر بأن فيه خلافا ، وقضية كلامه فيما تقدم عدم جريان خلاف فيه إلا أن يكون احترز به عما ذكر من جملة مقابل الأظهر من أنه لا يبرأ عن عيب أصلا فإن حاصله يرجع إلى إلغاء الشرط ، وأولى منه ما قدمناه المشتمل على حكاية وجه بالبطلان عن المحلي ( قوله : لأنه إسقاط ) قضية هذا التعليل أنه يبرأ عن الموجود دون الحادث واستقر به سم على منهج ، وفي الشيخ عميرة خلافه وعبارته : وإن أفرد [ ص: 39 ] الحادث فهو أولى بالبطلان ، وفي سم على حج أن ظاهر كلام المصنف البطلان في الموجود أيضا ولم يزد على ذلك ( قوله : والثاني يصح بطريق التبع ) أي بطريق تبعية الحادث للموجود وهو لو شرط البراءة منه وحده صح الشرط فكذا لو جمعه مع غيره أو أطلق في الحادث ( قوله : بشرط البراءة العامة ) أي المذكورة في قوله ولو باع بشرط براءته من العيوب ( قوله ولا يقبل قول ) أي فلا رد له بذلك ولا يتوقف ذلك على يمين من البائع لكونه ظاهرا .

                                                                                                                            ( قوله : لا يخفى عند الرؤية غالبا ) هذا قد يشكل عليه قولهم فيما مر إن من عيوب الرقيق التي يرد بها إذا ظهرت وجهلها المشتري عند البيع بياض الشعر وقلع الأسنان ، اللهم إلا أن يقال إنه كان حصل من البائع تغرير منع من الرؤية كصبغ الشعر أو يكون رآه قبل الشراء بزمن لا يتغير فيه غالبا ( قوله : بخلاف ) محترز قوله يعاين ، والمراد أن ما لا يعاين إذا شرط البراءة منه يبرأ ودخل فيه ما لو باعه بطيخة وقال المشتري إنها قرعة فوجدها كذلك فلا رد له لأن في ذكره إعلاما به فيبرأ منه ( قوله كزنا أو سرقة ) ومن ذلك أيضا ما لو باعه ثورا بشرط أنه يرقد في المحراث أو يعصي في الطاحون أو بشرط أن الفرس شموس وتبين كذلك فيبرأ منه البائع للعلة المذكورة ( قوله : لرضاه به ) أي فلا خيار له ( قوله : من هذا ) أي من قوله لا يعاين ( قوله : فيمن ) أي بائع أقبضه إلخ ( قوله : وقال ) أي المشتري ( قوله : فيه زيفا ) أي أو مقاصيص فقال : أي البائع ( قوله : فإنه لا رد به ) من تتمة كلام البعض ( قوله : فلم يؤثر فيه ) أي فله الرد وإن قل الزيف ، ويظهر أن منه ما لو اشترى منه بأنصاف من الفضة وقال للبائع هي نحاس إذ الظاهر أن المراد من مثل هذه العبارة أن فيها نحاسا لا أن جميعها نحاس .

                                                                                                                            وينبغي أن مثل ذلك ما لو باعه شاشا مثلا وقال إنه خام فإن أراه محل الحمو منه صح وبريء منه وإلا فله الرد ما لم يزد عما كان في يد البائع لأن الزيادة عيب حادث يمنع الرد قهرا .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : في المبيع ) [ ص: 37 ] أشار به إلى أن الضمير في قول المصنف بشرط براءته يرجع إلى البائع . ( قوله : فلو جهله مع سهولة علمه به ) هذا هو عين قوله أولا من قوله علمه البائع أو لا ، فحيث كان غرضه ذكر الخلاف فيه فكان ينبغي حذف قوله أو لا ( قوله : وفي تصديق البائع ) أي في وجوده عند العقد . ( قوله : وفي تصديق البائع في وجوده ) لعل صوابه في عدم وجوده إذ الكلام في الظاهر وهو لا يبرأ منه مطلقا كما تقدم ، فتكون الصورة أنه يدعي حدوثه بعد العقد في يد المشتري ، لكن هذا يعلم حكمه من عموم ما سيأتي أن القول قول البائع في حدوث العيب فليحرر مراد الشارح [ ص: 38 ] قوله : فقال له المشتري به داء لم تسمه ) أي : وهو خفي ليوافق الاستدلال به الآتي فليراجع . ( قوله : باطن أو خفي ) عبارة غيره ظاهر أو خفي وأصل العبارة للإمام الشافعي : ولعل مراد الشارح بالخفي الظاهر إذ هو يطلق عليه ومنه اللطف الخفي . ( قوله : إذا صح ) كأنه احترز به عما إذا شرط البراءة عما يحدث مثلا [ ص: 39 ] قوله : والثاني يصح بطريق التبع ) يفيد أن المتن مصور بما إذا شرط البراءة عما يحدث مع الموجودة وأصرح منه في ذلك قوله : فإن انفرد الحادث فهو أولى بالبطلان ، وحينئذ فكان ينبغي حذف قوله في المتن وحده ليلائم هذا ، ولكن الذي في شرح الجلال المحلي تصوير المتن بما إذا شرط البراءة مما يحدث وحده بدليل أنه زاد الصورة الثانية من عند نفسه على المتن ، والذي يفيده كلام غير واحد من الشراح أن المتن مصور بما هو أعم من أن شرط البراءة من الحادث وحده أو مع غيره ; لأنهم أخذوا مقابله وجهان : أحدهما : أنه لا يصح مطلقا ، والثاني : إن أفرد ما يحدث لم يصح وإن ضم إليه القديم صح تبعا فليحرر .

                                                                                                                            والحاصل أن ما في الشارح لا يوافق واحدا من المسلكين مع ما فيه مما يشبه التناقض فليتأمل




                                                                                                                            الخدمات العلمية