الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ويتصرف ) له ( الولي ) أبا أو غيره ( بالمصلحة ) وجوبا لقوله تعالى { ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن } وقوله { وإن تخالطوهم فإخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح } واقتضى كلامه كأصله امتناع تصرف استوى طرفاه ، وهو كذلك لانتفاء المصلحة فيه ، وقد صرح بذلك الشيخ أبو محمد والماوردي ، ويجب على الولي حفظ مال المولى عليه عن أسباب التلف واستنماؤه قدر ما يحتاج إليه في مؤنة من نفقة وغيرها إن أمكن ولا تلزمه المبالغة ، وللولي بدل بعض مال اليتيم وجوبا لتخليص الباقي عند الخوف عليه من استيلاء ظالم كما يستأنس لذلك بخرق الخضر للسفينة ، ولو كان للصبي كسب لائق به أجبره الولي على الاكتساب ليرتفق به في ذلك .

                                                                                                                            ويندب شراء العقار له ، بل هو أولى من التجارة عند حصول الكفاية من ريعه كما قاله الماوردي ، ومحله عند الأمن عليه من جور السلطان أو غيره أو خراب للعقار ولم يجد به ثقل خراج وله السفر بمال المولى عليه لنحو صبا أو جنون في زمن أمن صحبة ثقة وإن لم تدع له ضرورة من نحو نهب ; إذ المصلحة قد تقتضي ذلك إلا في نحو بحر إن غلبت السلامة ; لأنه مظنة عدمها .

                                                                                                                            أما الصبي فيجوز إركابه البحر [ ص: 376 ] عند غلبتها خلافا للإسنوي ويفارق ماله بأنه إنما حرم ذلك في المال منافاته غرض ولايته عليه في حفظه وتنميته بخلافه هو كما يجوز إركاب نفسه ، والصواب كما قاله الأذرعي عدم تحريم إركاب البهائم والأرقاء والحامل عند غلبة السلامة ( ويبني دوره ) ومساكنه ( بالطين والآجر ) أي الطوب المحرق ; لأن الطين قليل المؤنة ، وينتفع به بعد النقض ، والآجر يبقى ( لا اللبن ) وهو ما لم يحرق من الطوب ( والجص ) أي الجبس ; لأن اللبن قليل البقاء وينكسر عند النقض ، والجص كثير المؤنة ولا تبقى منفعته عند النقض بل يلصق بالطوب فيفسده ، وتعبيره كأصله في الجص بالواو بمعنى أو ففيها دلالة على الامتناع في اللبن سواء أكان مع الطين أم الجص ، وعلى الامتناع في الجص سواء أكان مع اللبن أم الآجر وهو كذلك ، ولفهم المنع فيما عداهما ، والمجنون والسفيه كالصبي فيما ذكر ، وما ذكره من قصر البناء على الآجر والطين هو ما نص عليه الشافعي وجرى عليه الجمهور ، وهو المعتمد ، وإن اختار كثير من الأصحاب جواز البناء على عادة البلد كيف كان ، واختاره الروياني واستحسنه الشاشي .

                                                                                                                            قال في البيان بعد حكاية ما مر عن النص : وهذا في البلاد التي يعز فيها وجود الحجارة ، فإن كان في بلد توجد الحجارة فيه فهي أولى من الآجر ; لأن بقاءها أكثر وأقل مؤنة ، وما اشترطه ابن الصباغ في جواز البناء للمحجور عليه أن يساوي كلفته ، وبه صرح في البيان فيه كما قال بعضهم : منع للبناء ; لأن مساواته لكلفته في غاية الندور وكما يجوز بناء عقاره يجوز ابتداء بنائه له .

                                                                                                                            نعم محله إن لم يكن شراؤه أحظ كما نبه عليه بعض أهل اليمن ، وقال ابن الملقن : إنه فقه ظاهر .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : واستنماؤه إلخ ) فلو ترك استنماؤه مع القدرة عليه وصرف ماله عليه في النفقة فهل يضمنه أو لا ؟ فيه نظر ، وقياس ما يأتي فيما لو ترك عمارة العقار حتى خرب الضمان ، وقد يفرق بأن ترك العمارة يؤدي إلى فساد المال ، وترك الاستنماء إنما يؤدي إلى عدم التحصيل وإن ترتب عليه ضياع المال في النفقة

                                                                                                                            ( قوله : لتخليص الباقي ) أي وإن كان ما يبذله كثيرا بحيث يكون التفاوت بينه وبين ما يسترجعه من الظالم قليلا

                                                                                                                            ( قوله : كما يستأنس لذلك ) لم يقل ويستدل لذلك إلخ ; لأن شرع من قبلنا ليس شرعا لنا ، وإن ورد في شرعنا ما يقرره

                                                                                                                            ( قوله : أخبره الولي ) أي حيث احتاج إليه في النفقة على ما يشعر به قوله : ليرتفق به وقوله فيما مر : إن ولي السفيه يجبره على الكسب حيث احتاج إليه .

                                                                                                                            وقضيته أنه لا يجبره إن كان غنيا ولا على ما زاد على قدر نفقته وفي حج أنهم صرحوا بأن ولي الصبي يجبره على الكسب ، ولو كان غنيا ا هـ فليراجع

                                                                                                                            ( قوله : من ريعه ) أي غلته

                                                                                                                            ( قوله : في زمن أمن ) مفهومه أنه لو احتمل تلفه في السفر امتنع عليه ، وفي سم على منهج فيه تردد فليراجع ، والأقرب المفهوم المذكور حيث قوي جانب الخوف

                                                                                                                            ( قوله : وإن غلبت السلامة ) [ ص: 376 ] ظاهره ولو تعين طريقا وهو كذلك حيث لم تدع ضرورة إلى السفر به ( قوله : عند غلبتها ) أي السلامة

                                                                                                                            ( قوله : إركاب البهائم ) أي التي لغير الصبي البحر

                                                                                                                            ( قوله : على عادة البلد ) الوجه جواز اتباعها عند المصلحة ا هـ م ر ا هـ سم على حج .

                                                                                                                            ومثله على منهج قال حج : وهو الأوجه مدركا ، ويمكن حمل كلام الشارح على ما إذا لم تقتض المصلحة الجري على عادة البلد فلا تنافي بين كلامه هنا وما نقله عنه سم

                                                                                                                            ( قوله : لأن مساواته إلخ ) أي فلا يشترط ذلك .

                                                                                                                            ( قوله : وكما يجوز بناء عقاره ) أي الذي تهدم بعض جدرانه ، وقوله يجوز ابتداء إلخ : أي أن يحيي له مواتا أو يشتري له أرضا خالية من البناء ثم يحدثه فيها



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            . ( قوله : أجبره الولي ) ظاهره وإن كان له مال ، فإن كان مرادا فلينظر ما الفرق بينه وبين السفيه وفي التحفة التصريح بما اقتضاه إطلاق الشارح هنا




                                                                                                                            الخدمات العلمية