( والمذهب أن ) فينفسخ به العقد لتعذر الرجوع عليه بقيمة لأنه مضمون عليه كالثمن فإذا أتلفه سقط الثمن ولو استوفى منافعه لم يلزمه لها أجرة لضعف ملك المشتري وإن تعدى بحبسه مدة لمثلها أجرة خلافا ( إتلاف البائع ) المبيع قبل قبضه ( كتلفه ) بآفة سماوية للغزالي وكونه من ضمان البائع [ ص: 82 ] وتنزيلا للمنافع منزلة العين التي لو أتلفها لم تلزمه قيمتها ، وإنما ملك المشتري الفوائد الحادثة بيد البائع قبل القبض لأنها أعيان محسوسة مستقلة فلا تبعية فيها لغيرها ، وبذلك علم رد ما أطال به الأذرعي هنا ، ومقابل المذهب قوله أنه لا ينفسخ البيع بل يتخير المشتري ، فإن فسخ سقط الثمن ، وإن أجاز غرم البائع القيمة وأدى له الثمن وقد يتقاصان .
ولو حيث له حق الحبس فله استرداده منه فلو أتلفه البائع إتلافا مضمنا في يد المشتري في هذه الحالة جعل مستردا له بالإتلاف كما أن المشتري قابض بالإتلاف كما جزم به أخذ المشتري المبيع بغير إذن البائع ابن المقري ، لكن هل ينفسخ البيع أو يخير المشتري ؟ وجهان أرجحهما أولهما كما قاله السبكي وغيره ، ولو لزم المبيع في نصفه كما قاله أتلفه البائع والمشتري معا الماوردي ، وانفسخ البيع في نصفه الآخر لأن إتلاف البائع كالآفة ويرجع البائع عليه بنصف الثمن ولا خيار له في فسخ ما قد لزمه بجناية كإتلافه . وإتلاف الأعجمي وغير المميز بأمر أحد العاقدين أو بأمر الأجنبي
فلو كان بأمر الثلاثة فالقياس كما قاله الإسنوي أنه يحصل القبض في الثلث والتخيير في الثلث والانفساخ في الثلث .
لا يقال : يلزم على ذلك تفريق الصفقة على البائع وهو ممتنع .
لأنا نقول : فعله اقتضى ذلك وهو أمر من ذكر بالإتلاف فصار بمنزلة رضاه بتفريقها .
أما إتلاف المميز بأمر واحد منهم فكإتلاف الأجنبي بلا أمر وإذن المشتري للأجنبي أو للبائع في إتلافه لغو لعدم استقرار الملك بخلاف الغاصب حيث يبرأ بذلك وإتلاف عبد البائع ولو بإذنه كالأجنبي ، وكذا عبد المشتري فغير إذنه ، والفرق بينهما تشوف الشارع لبقاء العقود ، فإن أجاز جعل قابضا ولو أتلفته دابة المشتري نهارا انفسخ البيع أو ليلا فله الخيار فإن فسخ طولب بما أتلفت [ ص: 83 ] أو بهيمة البائع فكالآفة ، وإنما لم يفرق فيها بين الليل والنهار كبهيمة المشتري لأن إتلافها إن لم يكن بتفريط من البائع فآفة أو بتفريط منه فقد مر أن إتلافه كالآفة بخلاف إتلاف بهيمة المشتري فنزل بالنهار منزلة إتلاف البائع لتفريطه بخلافه ليلا .
لا يقال : إتلافها ليلا إما بتقصير المشتري فيكون قبضا أو لا فكالآفة فينفسخ به البيع فلا وجه لتخييره .
لأنا نقول : هو بتقصيره ولما لم يكن إتلافها صالحا للقبض خير ، فإن أجاز فقابض أو فسخ طالبه البائع بالبدل كما تقرر ولهذا قال ابن الرفعة وغيره : إن محل ذلك إذا لم يكن مالكها معها وإلا فإتلافها منسوب إليه ليلا كان أو نهارا .
وقال الأذرعي : إنه صحيح ، وجزم به الشيخ في الغرر وإن رده في شرح الروض ولو كانت مع غيره فالإتلاف منسوب إليه ( والأظهر أن ) وإن كان بإذن المشتري فيه لانتفاء استقرار ملكه ( لا يفسخ ) البيع لقيام بدل المبيع مقامه ( بل يتخير المشتري ) فورا على أوجه الوجهين كما أفتى به ( إتلاف الأجنبي ) الملتزم للأحكام للمبيع في غير عقد الربا الوالد رحمه الله تعالى ( بين أن يجيز ويغرم الأجنبي ) البدل ( أو يفسخ فيغرم البائع الأجنبي ) البدل .
أما إتلافه له بحق نظير ما مر في المشتري أو وهو حربي فكالآفة .
وأما إتلافه للربوي فيفسخ به العقد لتعذر التقابض والبدل لا يقوم مقامه فيه .
ولا ينافي ما تقرر في الإجارة من أنه لو انفسخت الإجارة ، ولم يخير المستأجر كما هنا لأن المعقود عليه هنا المال وهو واجب على الجاني فتعدى العقد من العين إلى بدلها ، بخلاف المعقود عليه ثم فإنه المنفعة وهي غير واجبة على متلفها فلم يتعد العقد منها إلى بدلها ، وأيضا المنافع لا وجود لها بنفسها ، فإن لم يستعمل الغاصب فقد تلفت بنفسها فالحكم كالتلف بالآفة السماوية ، وإن استعمل فإنما أوجد ما يخصه فكأنه لم يوجد ما عقد عليه المستأجر ، ففرق بين موجود أتلف وبين معدوم لم يوجد أو وجد لكن عين وجوده عين تلفه ، ومقابل الأظهر أن البيع ينفسخ كالتلف بآفة غصب أجنبي العين المستأجرة حتى انقضت المدة