الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( ولو رهن ما يسرع فساده ) بمؤجل يحل بعد الفساد أو معه أو قبله بزمن لا يسع البيع ( فإن أمكن تجفيفه كرطب ) يجيء منه تمر أو عنب يجيء منه زبيب أو لحم طري يتقدد ( فعل ) ذلك التجفيف ( عند خوف فساده ) أي فعله المالك ومؤنته عليه كما قاله في المطلب حفظا للرهن ، فإن امتنع أجبر عليه ، فإن تعذر أخذ شيء منه باع الحاكم جزءا منه وجفف بثمنه ولا يتولاه المرتهن إلا بإذن الراهن إن أمكن وإلا راجع الحاكم ، أما إذا [ ص: 242 ] كان يحل قبل فساده بزمن يسع البيع فإنه يباع ( وإلا ) أي وإن لم يكن تجفيفه ( فإن رهنه بدين حال أو مؤجل يحل قبل فساده ) بزمن يسع بيعه عادة ( أو ) يحل بعد فساده أو معه لكن ( شرط ) في هذه الصورة ( بيعه ) عند إشرافه على الفساد لا الآن وإلا بطل ، قاله الأذرعي كالسبكي ، واعترضا أنه مبيع قطعا وبيعه الآن أحظ لقلة ثمنه عند إشرافه ، ويرد بأن الأصل في بيع المرهون قبل المحل المنع إلا لضرورة وهي لا تتحقق إلا عند الإشراف ( وجعل الثمن رهنا ) مكانه ، وقضية هذا أنه لا بد من اشتراط هذا الجعل وهو كذلك ، إذ مقتضى الإذن بالبيع لا يقتضي رهن الثمن بالدين المؤجل وإنما يقتضي وفاء الدين من الثمن إن كان حالا ، وتنظير الإسنوي في ذلك مردود بأنه من مصالح المرتهن لئلا يتوهم أن من شرط بيعه انفكاك رهنه فوجب لرد هذا التوهم ( صح ) الرهن في الصور الثلاث لانتفاء المحذور مع شدة الحاجة للشرط في الأخيرة وبه فارق ما يأتي من أن الإذن في بيع المرهون بشرط جعل ثمنه رهنا غير صحيح

                                                                                                                            ( ويباع ) المرهون وجوبا في تلك الثلاث بأن يرفعه المرتهن للحاكم عند امتناع الراهن ليبيعه ( عند خوف فساده ) حفظا للوثيقة فإن أخره حتى فسد ضمنه ( ويكون ثمنه ) في الأخيرة ( رهنا ) بلا إنشاء عقد عملا بالشرط ويجعل ثمنه رهنا في الأولين بإنشاء العقد ( فإن شرط منع بيعه ) قبل الفساد ( لم يصح ) الرهن لمنافاة الشرط لمقصود التوثق ( وإن أطلق ) فلم يشرط بيعا ولا عدمه ( فسد ) الرهن ( في الأظهر ) لتعذر الوفاء منه لأن البيع قبل المحل لم يأذن فيه وليس من مقتضى الرهن ، والثاني يصح ويباع عند الإشراف على الفساد لأن الظاهر أن المالك لا يقصد إتلاف ماله ، ونقله في الشرح الصغير عن الأكثرين ومن ثم اعتمده الإسنوي وغيره ، والمعتمد [ ص: 243 ] الأول لا يقال : سيأتي أنه لا يصح بيع المرتهن إلا بحضرة المالك فينبغي حمل الصورة الأولى عليه . لأنا نقول : بيعه ثم إنما امتنع في غيبة المالك لكونه للاستيفاء ، وهو متهم بالاستعجال في ترويج السلعة ، بخلافه هنا فإن غرضه الزيادة في الثمن ليكون وثيقة له

                                                                                                                            ( وإن ) ( لم يعلم هل يفسد ) المرهون ( قبل حلول الأجل ) ( صح ) الرهن المطلق ( في الأظهر ) لأن الأصل عدم فساده ، والثاني يجعل جهل الفساد كعلمه ولو رهن الثمرة مع الشجر صح مطلقا ما لم يكن مما لا يتجفف فله حكم ما يسرع إليه الفساد فيصح تارة ويفسق أخرى ، ويصح في الشجر مطلقا ووجهه عند فساده في الثمرة البناء على تفريق الصفقة ; وإن رهن الثمرة مفردة ، فإن كانت لا تتجفف فهي كما يتسارع فساده وقد مر حكمه وإلا جاز رهنها وإن لم يبد صلاحها ولم يشرط قطعها لأن حق المرتهن لا يبطل باجتياحها ، بخلاف البيع فإن حق المشتري يبطل . نعم إن رهنه بمؤجل يحل قبل جذاذه ولم يشرط القطع ولا عدمه لم يصح لأن العادة الإبقاء إلى الجذاذ ، فأشبه ما لو رهن شيئا على أن لا يبيعه عند المحل إلا بعد أيام ويجبر الراهن على مصالحها من نحو سقي وجذاذ وتجفيف ، ولكل المنع من القطع قبل الجذاذ لا بعده وما يخشى اختلاطه بالحادث كالذي يسرع فساده ورهن ما اشتد حبه كبيعه .

                                                                                                                            التالي السابق



                                                                                                                            الخدمات العلمية