( وله ) أي ، والأفصح تخفيف القاف ، قال تعالى { للراهن ( كل انتفاع لا ينقصه ) أي المرهون ثم لم ينقصوكم } ويجوز تشديدها ( كالركوب ) والاستخدام ولو للأمة ، لكن قال في الكفاية : إذا منعنا الوطء فليس استخدامها حذرا منه ، ويساعده قول الروياني : يمنع من الخلوة بها ، وحينئذ فيستثنى من إطلاق المصنف [ ص: 266 ] هذا والأوجه خلافه إلا أن يحمل على ما غلب على الظن وقوع الوطء بسببه ( والسكنى ) لخبر { البخاري } وخبر { الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا } رواه الرهن مركوب ومحلوب وصححه ، وقيس على ذلك ما أشبهه كلبس وإنزاء فحل على أنثى يحل الدين قبل ظهور حملها أو تلد قبل حلوله ، بخلاف ما إذا كان يحل قبل ولادتها وبعد ظهور حمله فليس له الإنزاء عليها لامتناع بيعها دون حملها لأنه غير مرهون ، وإذا الدارقطني فلا ضمان كما صرح به أخذ الراهن المرهون للانتفاع الجائز فتلف في يده من غير تقصير الروياني في البحر .
فلو ادعى رده على المرتهن فالصواب أنه لا يقبل كالمرتهن لا يقبل دعواه الرد بيمينه مع أن الراهن ائتمنه باختياره ، فكيف يمكن أن يكون الراهن على العكس مع أن المرتهن مجبر على الدفع إليه شرعا ( لا البناء والغراس ) في الأرض المرهونة لأنهما ينقصان قيمة الأرض . نعم لو كان الدين مؤجلا وقال : أنا أقلع عند حلول الأجل فله ذلك : أي إن لم يورث قلعهما نقصا ولم تطل مدته بحيث يضر بالمرتهن كما هو ظاهر ، وبحث الأذرعي استثناء بناء خفيف على وجه الأرض باللبن كمظلة الناطور لأنه يزال عن قرب كالزرع ولا تنقص القيمة به ، وله زراعة ما يدرك قبل حلول الدين أو معه كما بحثه الشيخ إن لم ينقص الزرع قيمة الأرض إذ لا ضرر على المرتهن ، وحكم البناء والغراس وإن عرف كالذي قبلهما مما مر ، لكن أعاده ليبني عليهما ما بعد ذلك ، وحينئذ فإذا حل الدين قبل إدراكه لعارض تركه إلى الإدراك ( فإن ) كان قيمتها تنقص بذلك الزرع أو كان الزرع مما يدرك بعد الحلول أو ( فعل ) البناء أو الغراس [ ص: 267 ] ( لم يقلع ) ما ذكر ( قبل ) حلول ( الأجل ) لاحتمال قضاء الدين من غير الأرض ( وبعده يقلع ) حتما ( إن لم تف الأرض ) أي قيمتها بالدين ( وزادت به ) أي القلع ولم يأذن الراهن في بيعه مع الأرض ولم يحجر عليه بفلس لتعلق حق المرتهن بأرض فارغة .
أما لو وفت قيمة الأرض بالدين أو لم تزد بالقلع أو أذن الراهن فيما ذكر أو حجر عليه فلا قلع ، بل يباع مع الأرض في الأخيرتين ويوزع الثمن عليهما ، ويحسب النقص في الثالثة على الزرع أو البناء أو الغراس ، نعم إن كان قيمة الأرض بيضاء أكثر من قيمتها مع ما فيها حسب النقص عليه وليس للراهن السفر بالمرهون وإن كان قصيرا لما فيه من الخطر من غير ضرورة ، فإن دعت ضرورة لذلك كما لو جلا أهل البلد لنحو خوف أو قحط كان له السفر به إن لم يتمكن من رده إلى المرتهن ولا وكيله ولا أمين ولا حاكم . نعم قال الأذرعي : والظاهر أنه لو رهنه وأقبضه في السفر أن له السفر به إلى نحو مقصده للقرينة وقيس به ما في معناه ( ثم ) كأن يرهن رقيقا له صنعة يمكن أن يعملها عند المرتهن ( لم يسترد ) من المرتهن لأجل عملها عنده ( وإلا ) أي وإن لم يمكن الانتفاع به بغير استرداد كأن يكون دارا يسكنها أو دابة يركبها أو عبدا يخدمه ( فيسترد ) وقت ذلك للحاجة إلى ذلك جمعا بين الحقين . ( أمكن الانتفاع ) بالمرهون بما أراده المالك منه ( بغير استرداده ) له
بخلاف ما إذا كان الانتفاع به بتفويته فلا يأخذه لذلك أصلا ، ولا يجب تمكينه من الأمة للخدمة إلا إن أمن غشيانه لها لكونه محرما أو ثقة عنده نحو حليلة يؤمن معها منه عليها ، وأفهم التقييد بوقت الانتفاع أن ما يدوم استيفاء منافعه عند الراهن لا يرده مطلقا وإن غيره يرده عند فراغه فيرد الخادم والمركوب المنتفع بهما نهارا في الوقت الذي جرت العادة بالراحة فيه لا وقت القيلولة في الصيف لما فيه من المشقة الظاهرة ويرد ما ينتفع به ليلا كالحارس نهارا ، وفارق هذا المحبوس بالثمن فإن يد البائع لا تزال عنه لاستيفاء منافعه بل يكتسب في يده للمشتري بأن ملك المشتري غير مستقر بخلاف ملك الراهن أنه أخذه لذلك لئلا يجحد الرهن شاهدين كذا قالاه أو رجلا وامرأتين كما في المطلب لأنه في المال ، وقياسه الاكتفاء بواحد [ ص: 268 ] يحلف معه وإن وثق به لا ظاهر العدالة بأن كانت ظاهر حاله من غير أن يعرف باطنه فلا يكلف الإشهاد كل مرة كما قالاه : أي لا يجب عليه الإشهاد أصلا كما اقتضاه كلام الإرشاد وأفهمه كلام الإمام ( ويشهد ) المرتهن على الراهن بالاسترداد للانتفاع في أول مرة ( إن اتهمه ) والغزالي وأشار إليه الرافعي في آخر كلامه وهو المعتمد ، وعبارة الحاوي الصغير ويشهد لا ظاهر العدالة .
قال الزركشي : وعبارة المنهاج : تفهم الاكتفاء بالإشهاد أول دفعة ، وأن غير المتهم لا يكلف الإشهاد وهو الأصح وتكفي عدالته ، وبما تقرر علم أن عبارة الرافعي والمصنف يرجع النفي في كلامهما إلى الفعل والقيد معا مثل قوله : ولا ترى الضب بها ينجحر أي لا ضب ولا انجحار ومنه قوله تعالى { ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع } أي لا شفاعة ولا طاعة وقوله تعالى { وما قتلوه يقينا } فإن النفي لأصل القتل ، وحينئذ يفيد نفي أصل الفعل في كل ذلك ، ويؤخذ من وجوب الإشهاد هنا صحة ما أفتى به أن من لملكه طريق مشترك وطلب شريكه الإشهاد لزمه إجابته إليه ، وقد يفرق بينه وبين إجابة الدائن إلى الإشهاد بالدين لأنه مقصر لرضاه بذمته أولا بخلاف الشريك . ابن الصلاح