من زوجة وقريب وأم ولد ولو حدث بعد الحجر ( حتى يقسم ماله ) ; لأنه موسر ما لم يزل ملكه عنه . ( وينفق ) الحاكم حتما من مال المفلس ( عليه وعلى من عليه نفقته )
ومحله في الزوجة التي نكحها قبل الحجر .
أما المنكوحة بعده فلا ينفق عليها ، وفارقت الولد ، المتجدد بأنه لا اختيار له فيه بخلافها ، ولا يرد على ذلك تمكنه من استلحاقه ; لأنه واجب عليه فلا اختيار له فيه أيضا ، وإنما [ ص: 328 ] أنفق على ولد السفيه إذا أقر به من بيت المال ; لأن إقراره بالمال وبما يقتضيه غير مقبول ، بخلاف إقرار المفلس ، وكذلك المماليك لو حدثوا بعد الحجر باختياره أنفق عليهم ; لأن مؤنتهم من مصالح الغرماء ; لأنهم يبيعونهم ويقتسمون ثمنهم ، ولو اشترى أمة في ذمته وأولدها وقلنا بنفوذ إيلاده فالأوجه وجوب نفقتها وفارقت الزوجة بقدرتها على الفسخ بخلاف هذه ، ولا ينفق على القريب إلا بعد الطلب كما أن ولي الصبي لا ينفق على قريبه إلا بعد الطلب بل هذا أولى لمزاحمة حق الغرماء .
نعم ذكروا أن القريب لو كان طفلا أو مجنونا أو عاجزا عن الإرسال كزمن أنفق عليه بلا طلب حيث لا ولي له خاص يطلب له .
وقياسه أن يكون القريب هنا كذلك وينفق على زوجته نفقة المعسرين كما رجحه المصنف وغيره خلافا للرافعي كالروياني أنه ينفق نفقة الموسرين وإلا لما أنفق على القريب فقد رد بأن اليسار المعتبر في نفقة الزوجة غير اليسار المعتبر في نفقة القريب وبأن نفقة الزوجة لا تسقط بمضي الزمان ، بخلاف القريب فلا يلزم من انتفاء الأول انتفاء الثاني .
والمراد بقوله : ينفق يمون فيشمل الكسوة والإسكان والإخدام وتكفين من مات منهم قبل القسمة ; لأن ذلك كله عليه وشمل ما ذكر الواجب في تجهيزه ، وكذا المندوب إن لم يمنعه الغرماء ( إلا أن يستغني ) المفلس ( بكسب ) حلال لائق به بأن يكون مزريا به فلا ينفق ويكسو حينئذ من ماله بل من كسبه إن رأى من يستعمله فإن فضل منه شيء رد إلى المال أو نقص كمل من المال ، فإن امتنع من كسب لائق ولو مع تعسره أنفق عليه كما اقتضاه كلام المنهاج ، وهو أنسب بقاعدة الباب مما اقتضاه كلام المتولي من عدم الإنفاق ; وإن اختاره السبكي إذ القاعدة أنه لا يؤمر بتحصيل ما ليس بحاصل ، ومن تفصيل ابن النقيب بين أن يتكرر منه الامتناع ثلاثا أو لا ( ويباع مسكنه ) وإن احتاج إليه ( وخادمه ) ومركوبه ( في الأصح وإن احتاج إلى خادم ) أو مركوب ( لزمانته ومنصبه ) ; لأن تحصيلها بالكراء أسهل ، بخلاف ما يأتي فإن تعذر فعلى المسلمين ، وقضيته لزوم المياسير أجرة مركوب وخادم ، وفيه وقفة ; إذ لا يلزمهم إلا الضروري أو ما قرب منه ، [ ص: 329 ] وليس هذا كذلك إلا أن أبهة المنصب بهما يترتب عليها مصلحة عامة فنزلت منزلة الحاجة .
والثاني يبقيان للمحتاج إذا كانا لائقين به دون النفيسين وهو مخرج نصه في الكفارات ، وفرق الأول بأن حقوق الله مبنية على المساهلة بخلاف حقوق الآدميين مع كونها لا بدل لها ، وتباع أيضا البسط والفرش ويتسامح في حصير ولبد قليل القيمة وكساء خليع ( ويترك له دست ثوب يليق به ) حال فلسه كما قاله الإمام إن كان في ماله وإلا اشترى له ; لأن الحاجة إلى الكسوة كالحاجة للنفقة ، وقد أطلق كثير أن كل ما قيل يترك له ولم يوجد بماله اشترى له ، وظاهره أنه يشتري له حتى الكتب ونحوها مما ذكر وفيه نظر ظاهر ، ومن ثم بحث بعضهم عدم شراء ذلك له لا سيما عند استغنائه بموقوف ونحوه بل لو استغنى عنه به بيع ما عنده ، وينبغي أن يحمل عليه اختيار السبكي أنها لا تبقى له ، وقول القاضي لا تبقى له في الحج فهنا أولى يحمل على ذلك أيضا وإلا فهو ضعيف كما يعلم مما مر ، ويباع المصحف مطلقا كما قاله العبادي ; لأنه تسهل مراجعة حفظته ، ومنه يؤخذ أنه لو كان بمحل لا حافظ فيه ترك له ، فلو كان يلبس قبل الإفلاس فوق ما يليق بمثله رد إلى اللائق أو دون اللائق تقتيرا أو زهدا لم يزد عليه ، والضمير في له عائد على لفظ من المذكور في النفقة وحينئذ فيدخل فيه نفسه وعياله ونقله الزركشي عن البغوي وغيره ( وهو قميص وسراويل ) وتكة كما بحثه الأذرعي ومنديل ( وعمامة ) وما تحتها كما ذكره القاضي وبحثه الإسنوي والأذرعي ، وطيلسان وخف ودراعة فوق القميص إن لاقت به لئلا يحصل الازدراء بمنصبه ، وتزاد المرأة مقنعة وغيرها مما يليق بها ( ومكعب ) أي مداس ( ويزاد في الشتاء جبة ) لاحتياجه إلى ذلك ويترك للعالم كتبه .
وينبغي أن يأتي هنا عند تكرر النسخ ما يأتي في قسم الصدقات ويحتمل الفرق ، وبحث ابن الأستاذ أنه يترك للجندي المرتزق خيله وسلاحه المحتاج إليهما ، قال : بخلاف المتطوع بالجهاد فإن وفاء الدين أولى إلا أن يتعين عليه الجهاد ولا يجد غيرهما ، وتباع آلات حرفته إن كان محترفا ، وفي البويطي أنه يعطي بضاعة ، قال الدارمي : ومعناه اليسير : أي التافه ، أما الكثير فلا ، وقال ابن سريج : يترك له رأس مال يتجر فيه إذا لم يحسن الكسب إلا به ، قال الأذرعي : وأظن أن مراده ما قاله الدارمي ( ويترك قوت يوم القسمة ) وسكناه ( لمن عليه نفقته ) ; لأنه موسر في أوله بخلاف ما بعده لعدم ضبطه ، [ ص: 330 ] ولأن حقوقهم لم تجب فيه أصلا ، وألحق البغوي ومن تبعه باليوم ليلته : أي الليلة التي بعده هذا إن كان بعض ماله خاليا عن تعلق حق لمعين ، فإن تعلق بجميع ماله حق لمعين كالمرهون لم ينفق عليه ولا على عياله منه ( وليس عليه بعد القسمة أن يكتسب أو يؤجر نفسه لبقية الدين ) لقوله تعالى { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } أمر بإنظاره ولم يأمر باكتسابه ، وللخبر المار في قصة { معاذ } نعم إن عصى بسببه وإن صرفه في مباح كغاصب ومتعمد جناية توجب مالا أمر بالكسب ولو بإيجار نفسه كما نقله ليس لكم إلا ذلك الإسنوي واعتمده ; لأن التوبة من ذلك واجبة وهي متوقفة في حقوق الآدميين على الرد ، واستدل له الأذرعي بإيجابهم على الكسوب كسب نفقة الزوجة والقريب ، ومن العلة يعرف أن وجوب ذلك ليس لإيفاء الدين بل للخروج من المعصية لكن الكلام ليس فيه حينئذ ، ولا ينفك الحجر عن المفلس بانقضاء القسمة ولا باتفاق الغرماء على رفعه ، وإنما يفكه القاضي ; لأنه لا يثبت إلا بإثباته فلا يرتفع إلا برفعه كحجر السفيه ; لأنه يحتاج إلى نظر واجتهاد