فصل في رجوع المعامل للمفلس عليه بما عامله به ولم يقبض عوضه ( من فله فسخ البيع واسترداد المبيع ) للخبر المار ، وكون [ ص: 336 ] الثمن لم يقبض يحتاج إلى إضماره في الخبر ، وفي حكم الحجر بالفلس الموت مفلسا ففي خبر باع ولم يقبل الثمن حتى حجر على المشتري بالفلس : { أبي هريرة } ومراده بلم يقبض عدم قبض شيء منه بدليل قوله واسترداد المبيع ، فإن قبض بعضه فسيذكره بعد وكما له استرداد المبيع له استرداد بعضه ; لأنه مصلحة للغرماء كما يرجع الأصل في بعض ما وهبه لفرعه ، بخلاف الرد بالعيب ; لأنه يضر بالبائع ، ولو أفلس ولم يحجر عليه أو حجر عليه للسفه فلا رجوع كما أفهمه كلامه ، وأفهم أيضا امتناع الفسخ بالبيع الواقع في حال الحجر ما لم يكن جاهلا بحاله كما مر ، وقد يجب الفسخ بأن يقع ممن يلزمه التصرف بالغبطة وهي في الفسخ كمكاتب وولي ، ومثلهما البائع إذا أفلس وحجر عليه وطلب غرماؤه منه الرجوع على ما بحثه بعضهم ، والأوجه خلافه لما مر من أنه لا يلزمه الاكتساب ( والأصح أن خياره ) أي الفسخ أو البائع ( على الفور ) كالرد بالعيب بجامع دفع الضرر ، والثاني لا كخيار الرجوع في الهبة ، وفرق الأول بحصول الضرر هنا بخلاف ذاك ، وعلى الأول لو ادعى جهله بالفورية قبل ، كالرد بالعيب بل هنا أولى ; لأنه يخفى على غالب الناس بخلاف ذاك ، ومر الكلام على الرجوع في القرض ، وأنه لا فور فيه ، ولو صولح عن الفسخ على مال لم يصح وبطل حقه من الفسخ إن علم لا إن جهل ، ولو حكم بمنع الفسخ حاكم لم ينقض حكمه ; لأن المسألة اجتهادية ، والخلاف فيها قوي ; إذ النص كما يحتمل أنه أحق بعين متاعه يحتمل أنه أحق بثمنه وإن كان الأول أظهر فلا ينافيه قولهم لا يحتاج في الفسخ إلى حاكم لثبوته بالنص والأصح ( أنه ) أي الفسخ لا يحصل ( بالوطء والإعتاق والبيع ) وتلغو هذه التصرفات لمصادفتها ملك الغير كما لا تكون فسخا في الهبة للفرع ، والثاني [ ص: 337 ] يحصل كالبائع في زمن الخيار ، وفرق الأول بأن ملك المشتري على القول بأنه ملك غير مستقر فجاز الفسخ بما ذكر بخلاف مسألتنا أيما رجل أفلس أو مات فصاحب المتاع أحق بمتاعه
ومحل الخلاف إذا نوى بالوطء الفسخ وقلنا بما مر أن هذا الفسخ لا يفتقر إلى الحاكم وإلا فلا يحصل به قطعا ، ويحصل الفسخ بنحو فسخت البيع أو رفعته أو نقضته أو أبطلته أو رددت الثمن أو فسخت البيع فيه أو رجعت في المبيع كما رجحه ابن أبي الدم أو استرجعته كما بحثه الزركشي ( وله ) أي الشخص ( الرجوع ) في عين ماله بالفسخ ( في سائر ) المعاوضات التي ( كالبيع ) وهي المحضة لعموم الخبر المار فخرج بالمعاوضة الهبة ونحوها وبالمحضة وهي التي تفسد بفساد العوض غيرها كالنكاح والصلح عن الدم والخلع فلا فسخ ; لأنها ليست في معنى المنصوص عليه لانتفاء العوض في نحو الهبة ولتعذر استيفائه في البقية .
نعم للزوجة فسخ النكاح بالإعسار كما يأتي ، لكن لا يختص ذلك بالحجر ودخل في الضابط عقد السلم فله فسخه إن وجد رأس ماله ، فإن فات لم يفسخ بل يضارب بقيمة المسلم فيه إن لم ينقطع ثم يشتري له منه بما يخصه إن لم يوجد في المال لامتناع الاعتياض عنه ، فإن انقطع فله الفسخ لثبوته حينئذ في حق غير المفلس ففي حقه أولى ، وإذا فسخ ضارب برأس المال ، وكيفية ذلك إذا لم ينقطع المسلم فيه أن يقوم المسلم فيه فإن ساوى عشرين ، والديون ضعف المال أفرز له عشرة ، فإن رخص السعر قبل الشراء اشترى له بها جميع حقه إن وفت به وإلا فبعضه [ ص: 338 ] وإن كان متقوما فإن فضل شيء فللغرماء ، وإنما اشترى له الجميع ; لأن ما أفرز له صار كالمرهون بحقه وانقطع به حقه من حصص غيره حتى لو تلف قبل أخذه له لم يتعلق بشيء مما أخذه الغرماء ، ولو ارتفع السعر لم يزد على ما أفرز له لما ذكر ، ولو تلف بعض رأس المال وكان مما يفرد بالعقد رجع بباقيه وضارب بباقي المسلم فيه ، ودخل فيه أيضا عقد الإجارة ، فإذا أفلس قبل تسليم الأجرة الحالة ومضي المدة فللمؤجر الفسخ ; إذ المنافع كالأعيان ، فإن أجاز ضارب بكل الأجرة وإن فسخ أثناء المدة ضاربهم ببعضها ، ويؤجر الحاكم على المفلس العين المؤجرة لأجل الغرماء ، أما إذا كان الحال بعض الأجرة كما في الإجارة المستحق فيها أجرة كل شهر عند مضيه فلا فسخ فيها لما يأتي من أن شرطه كون العوض حالا والمعوض باقيا فلا يتأتى الفسخ قبل مضي الشهر لعدم الحلول ولا بعده لفوات المنفعة .
نعم إن كان بعض الأجرة مؤجلا فله الفسخ في الحال بقسطه فيما يظهر ، ولو أفلس المستأجر في مجلس إجارة الذمة فإن أثبتنا خيار المجلس فيها استغنى به ، وإلا فله الفسخ كإجارة العين ، وإن أفلس مؤجر عين قدم المستأجر بمنفعتها أو ملتزم عمل ، والأجرة في يده فللمستأجر الفسخ ، فإن تلفت ضارب بأجرة المثل كنظيره في السلم ، ولا تسلم إليه حصته منها بالمضاربة لامتناع الاعتياض عن المسلم فيه ; إذ إجارة الذمة في المنافع بل يحصل له بعض المنفعة الملتزمة إن تبعضت بلا ضرر كحمل مائة رطل ، وإلا كقصارة ثوب وركوب إلى بلد ولو نقل لنصف الطريق لبقي ضائعا فسخ وضارب بالأجرة المبذولة ، فلو سلم له الملتزم عينا ليستوفي منها قدم بمنفعتها كالمعينة في العقد