باب الحجر بفتح الحاء وهو لغة : المنع ، وشرعا : المنع من التصرفات المالية ، والأصل فيه قوله تعالى { وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح } وقوله { فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا } وقوله { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } الآيات ، نبه على الحجر بالابتلاء ، وكنى عن البلوغ ببلوغ النكاح ، والضعيف الصبي ، والذي لا يستطيع أن يمل المغلوب على عقله ، والسفيه المبذر ، وإضافة المال الذي له بدليل { وارزقوهم فيها واكسوهم } لوليه لتصرفه فيه ، وصح مرفوعا { خذوا على أيدي سفهائكم } : نوع شرع لمصلحة الغير ، و ( منه حجر المفلس ) أي الحجر عليه في ماله كما سبق بيانه ( لحق الغرماء والراهن للمرتهن ) في العين المرهونة ( والمريض للورثة ) فيما زاد على الثلث حيث لا دين ، وفي الجميع إن كان عليه دين مستغرق على ما قاله والحجر نوعان الأذرعي وتبعه الزركشي لكن في الروضة في الوصايا عند ذكر ما يعتبر من الثلث أن المريض لو وفى دين بعض الغرماء لم يزاحمه غيره إن وفى المال جميع الديون .
وكذا إن لم يوف على المشهور وقيل : لهم مزاحمته كما لو أوصى بتقديم بعض الغرماء بدينه لا تنفذ وصيته ، فكلام الزركشي [ ص: 354 ] مفرع على هذا ( والعبد ) أي القن ( لسيده ) والمكاتب لسيده ولله تعالى ( والمرتد للمسلمين ) أي لحقهم ( ولها أبواب ) تقدم بعضها وبعضها يأتي ، وأشار بقوله منه إلى عدم انحصار هذا النوع فيما ذكره فقد أنهاه بعضهم إلى نحو سبعين صورة ، بل قال الأذرعي : هذا باب واسع جدا لا تنحصر أفراد مسائله ونوع شرع لمصلحة المحجور عليه ، وهو ما ذكره بقوله ( ومقصود الباب حجر المجنون والصبي والمبذر ) بالمعجمة وسيأتي تفسيره ، وحجر كل من هذه الثلاثة أعم مما بعده ، وزاد الماوردي نوعا ثالثا وهو ما شرع للأمرين : يعني مصلحة نفسه وغيره وهو المكاتب كما مر ( فبالجنون تنسلب الولايات ) الثابتة بالشرع كولاية النكاح أو بالتفويض كالإيصاء والقضاء ; لأنه إذا لم يل أمر نفسه ، فأمر غيره أولى ، وعبر بالانسلاب دون الامتناع ; لأن الثاني لا يفيد السلب بخلاف [ ص: 355 ] الأول بدليل أن الإحرام مانع من ولاية النكاح ولا يسلب ; ولهذا يزوج الحاكم دون الأبعد ( واعتبار الأقوال ) له وعليه في الدين والدنيا كالإسلام والمعاملات لانتفاء قصده وسكوته عن الأفعال ; لأن منها ما يعتبر كإحباله وإتلافه مال غيره وتقرير المهر بوطئه وترتب الحكم على إرضاعه والتقاطه واحتطابه واصطياده .
وعمده عمد إن كان له نوع تمييز وما لا يعتبر منه كالصدقة والهدية ، ولو لم يلزمه جزاؤه كما مر في بابه ، والصبي كالمجنون في الأقوال والأفعال إلا أن الصبي المميز يعتبر قوله في إذن الدخول وإيصال الهدية ، ويصح إحرامه بإذن وليه كما مر وتصح عبادته ، وله إزالة المنكر ، ويثاب عليه كالبالغ ، قاله في الروضة في باب الغصب وأما إسلام أحرم شخص ثم جن فقتل صيدا علي رضي الله عنه وهو صبي فلأن الأحكام قبل الهجرة كانت منوطة بالتمييز وألحق القاضي بالمجنون النائم والأخرس الذي لا يفهم ، ونظر فيه الأذرعي بأنه لا يتخيل أحد أن النائم يتصرف عنه وليه وبأن الأخرس المذكور غير عاقل ، وإن احتيج إلى إقامة أحد مكانه فليكن هو الحاكم ، ويرد بأن النائم يشبه المجنون في سلب اعتبار الأقوال وكثير من الأفعال ، فإلحاقه به من حيث ذلك فقط ; لأنه لا ولي له [ ص: 356 ] مطلقا ، وإن قال بعض المتأخرين : لعل كلام القاضي محمول على نائم أحوج طول نومه إلى النظر في أمره وكان الإيقاظ يضره مثلا ، وبأن الأخرس الذي لا يفهم ، وإن كان لا يسمى مجنونا فهو ملحق بالمجنون ، وقوله وإن احتيج إلخ محل نظر ; لأنه إن كان غير عاقل كما قاله فوليه ولي المجنون ، ولهذا تردد الإسنوي فيمن يكون وليه ، وبحث الجوجري أن محل التردد فيمن عرض له هذا الخرس بعد بلوغه ، أما من لم يبلغ إلا كذلك فالظاهر الجزم بأن وليه هو الذي يتصرف عليه استدامة لحجر الصبي ; إذ لا يرتفع الحجر عنه إلا ببلوغه رشيدا ، وهذا ليس كذلك ا هـ .
وقوله الظاهر إلخ محتمل ، والذي يظهر من التردد أن وليه ولي المجنون كما اقتضاه كلام القاضي ، وصريح قول الأذرعي أنه غير عاقل ، والمجنون إذا كان له أدنى تمييز كالصبي المميز فيما يأتي نقله الشيخان عن التتمة وأقراه واعترضه السبكي والأذرعي بأنه إن زال عقله فمجنون وإلا فهو مكلف وتصرفه صحيح فإن بذر فكسفيه ا هـ .
ويرد بأن شرط التكليف كمال التمييز ، أما أدناه فلا يلحقه بالمكلف ولا بالمجنون ; لأنه مخالف لهما فتعين إلحاقه بالصبي المميز