الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  373 ( وصلى جابر وأبو سعيد في السفينة قائما )

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  الكلام فيه من وجوه :

                                                                                                                                                                                  الأول : في معناه ، واسم أبي سعيد سعد بن مالك الخدري . قوله : "في السفينة" هي الفلك ؛ لأنها تسفن وجه الماء أي : تقشره فعيلة بمعنى فاعلة ، والجمع سفائن وسفن وسفين . قوله : "قياما" جمع قائم ، وأراد به التثنية أي : قائمين نصب على الحال ، وفي بعض النسخ قائما بالإفراد بتأويل : كل منهما قائما .

                                                                                                                                                                                  الثاني : أن هذا تعليق وصله أبو بكر بن أبي شيبة بسند صحيح عن عبيد الله بن أبي عتبة مولى أنس قال : " سافرت مع أبي الدرداء وأبي سعيد الخدري وجابر بن عبد الله وأناس قد سماهم قال : فكان إمامنا يصلي بنا في السفينة قائما ، ونصلي خلفه قياما ، ولو شئنا لأرفينا " أي : لأرسينا ، يقال : أرسى السفينة بالسين المهملة ، وأرفى بالفاء إذا وقف بها على الشط ، والبخاري اقتصر هنا على ذكر الاثنين ، وهما جابر وأبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما .

                                                                                                                                                                                  الثالث : في وجه مناسبة إدخال هذا الأثر في : باب : الصلاة على الحصير ، فقال ابن المنير : لأنهما اشتركا في الصلاة على غير الأرض لئلا يتخيل أن مباشرة المصلي الأرض شرط من قوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ رضي الله تعالى عنه : "عفر وجهك في التراب" . ( قلت ) ثمة وجه أقوى مما ذكره في المناسبة ؛ وهو أن هذا الباب في الصلاة على الحصير ، وفي الباب الذي قبله ، وكان يصلي على الخمرة ، وكل واحد من الحصير والخمرة يعمل من سعف النخل ، ويسمى سجادة ، والسفينة أيضا مثل السجادة على وجه الماء ، فكما أن المصلي يسجد على الخمرة والحصير دون الأرض فكذلك الذي يصلي في السفينة يسجد على غير الأرض .

                                                                                                                                                                                  الرابع : في استنباط الحكم منه : وهو أن الصلاة في السفينة إنما تجوز إذا كان قائما ، وقال أبو حنيفة : تجوز قائما وقاعدا بعذر وبغير عذر ، وبه قال الحسن بن مالك وأبو قلابة وطاوس ، روى عنهم ابن أبي شيبة ، وروى أيضا عن مجاهد أن جنادة بن أبي أمية قال : "كنا نغزو معه لكنا نصلي في السفينة قعودا" أو لأن الغالب دوران الرأس فصار كالمحقق ، والأولى أن يخرج إن استطاع الخروج منها ، وقال أبو يوسف ومحمد : لا تجوز قاعدا إلا من عذر ؛ لأن القيام ركن فلا يترك إلا من عذر ، والخلاف في غير المربوطة فلو كانت مربوطة لم تجز قاعدا إجماعا ، وقيل : تجوز عنده في حالتي الإجراء والإرساء ، ويلزمه التوجه عند الافتتاح كلما دارت السفينة ؛ لأنها في حقه كالبيت حتى لا يتطوع فيها موميا مع القدرة على الركوع والسجود ، بخلاف راكب الدابة .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية