الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  375 48 - ( حدثنا إسماعيل قال : حدثني مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت : كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجلاي في قبلته فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما قالت : والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  وجه مطابقة هذا الحديث للترجمة في قولها : "كنت أنام" ؛ لأن نومها كان على الفراش ، وقد صرحت في حديثها الآخر بقولها "على الفراش" الذي ينامان عليه .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) وهم خمسة : إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس المدني ابن أخت مالك بن أنس ، وأبو النضر بفتح النون وسكون الضاد المعجمة اسمه سالم مولى عمر بدون الواو ابن عبيد الله التيمي ، وأبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضع واحد ، وبصيغة الإفراد في آخر ، وفيه العنعنة في ثلاثة مواضع ، وفيه القول ، وفيه أن رواته مدنيون .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) : أخرجه البخاري أيضا عن القعنبي ، وعبد الله بن يوسف كلاهما عن مالك ، وأخرجه مسلم [ ص: 114 ] في الصلاة أيضا عن يحيى بن يحيى ، عن مالك ، عن أبي النضر ، وأخرجه أبو داود فيه عن عاصم بن النضر ، عن المعتمر بن سليمان ، عن عبيد الله بن عمر ، عن أبي النضر ، وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة عن مالك به .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) : قوله : "ورجلاي في قبلته" جملة وقعت حالا أي : في مكان سجوده . قوله : "غمزني" من الغمز باليد ، قال الجوهري : غمزت الشيء بيدي ، وغمزته بعيني ، قال تعالى : وإذا مروا بهم يتغامزون والمراد هاهنا الغمز باليد ، وروى أبو داود من حديث أبي سلمة عن عائشة أنها قالت : "كنت أكون نائمة ورجلاي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يصلي من الليل ، فإذا أراد أن يسجد ضرب رجلي فقبضتهما فسجد" . قوله : "فقبضت رجلي" بفتح اللام وتشديد الياء بصيغة التثنية ، وهذه رواية الأكثرين ، وفي رواية المستملي والحموي "رجلي" بكسر اللام وسكون الياء بصيغة الإفراد . قوله : "بسطتهما" بتثنية الضمير على رواية الأكثرين ، وبالإفراد على رواية المستملي . قوله : "والبيوت" مبتدأ ، وقوله : "ليس فيها مصابيح" خبره ، والجملة حال ، والمصابيح جمع مصباح ، وهذا اعتذار من عائشة رضي الله تعالى عنها عن نومها على هذه الهيئة ، والمعنى : لو كانت المصابيح لقبضت رجلي عند إرادته السجود ، ولما أحوجته إلى غمزي ، وهذا يدل على أنها كانت راقدة غير مستغرقة في النوم ، إذ لو كانت مستغرقة لما كانت تدرك شيئا سواء كانت مصابيح أو لم تكن . قوله : "يومئذ" معناه وقتئذ أي : وقت إذ كان الرسول حيا ، وإنما فسرناه هكذا لأن المصابيح من وظائف الليل ، فلا يمكن إجراء اليوم على حقيقة معناه ، وقد يذكر اليوم ، ويراد به الوقت كما في قوله تعالى : ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير

                                                                                                                                                                                  ( ذكر استنباط الأحكام منه ) : الأول : فيه جواز صلاة الرجل إلى المرأة ، وأنها لا تقطع صلاته ، وكرهه بعضهم لغير الشارع لخوف الفتنة بها واشتغال القلب بالنظر إليها ، وأما النبي صلى الله عليه وسلم فمنزه عن هذا كله مع أنه كان في الليل ، ولا مصابيح فيه . الثاني : فيه استحباب إيقاظ النائم للصلاة .

                                                                                                                                                                                  الثالث : أن المرأة لا تبطل صلاة من صلى إليها ، ولا من مرت بين يديه ، وهو قول جمهور الفقهاء سلفا وخلفا ، منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي ، ومعلوم أن اعتراضها بين يديه أشد من مرورها ، وذهب بعضهم إلى أنه يقطع مرور المرأة والحمار والكلب ، وقال أحمد : يقطعها الكلب الأسود ، وفي قلبي من الحمار والمرأة شيء ، والجواب عن حديث قطع الصلاة بهؤلاء من وجهين : أن المراد من القطع النقص لشغل القلب بهذه الأشياء ، وليس المراد إبطالها ؛ لأن المرأة تغير الفكر فيها والحمار ينهق ، والكلب يهوش ، فلما كانت هذه الأشياء آيلة إلى القطع أطلق عليها القطع .

                                                                                                                                                                                  والثاني : أنها منسوخة بحديث "لا يقطع الصلاة شيء وادرؤوا ما استطعتم" ، وصلى الشارع وبينه وبين القبلة عائشة رضي الله تعالى عنها ، وكانت الأتان ترتع بين يديه ولم ينكره أحد ، لكن النسخ لا يصار إليه إلا بأمور منها التاريخ ، وأنى به ، وذهب ابن عباس وعطاء إلى أن المرأة التي تقطع الصلاة إنما هي الحائض ، ورد بأنه جاء في روايات هذا الحديث قال شعبة : "وأحسبها قالت وأنا حائض" قال : ( فإن قلت ) : ورد في الحديث : " يقطع الصلاة اليهودي والنصراني والمجوسي والخنزير " ( قلت ) هذا حديث ضعيف .

                                                                                                                                                                                  الرابع : أن العمل اليسير في الصلاة غير قادح . الخامس : جواز الصلاة إلى النائم ، وكرهه بعضهم ، واحتجوا بحديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال : "لا تصلوا خلف النائم ولا المتحدث " ( قلت ) قال أبو داود : روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية ، وهذا أمثلها ، وهو أيضا ضعيف ، وصرح به الخطابي وغيره ، " وكان ابن عمر لا يصلي خلف رجل يتكلم إلا يوم الجمعة " رواه أبو داود بسند منقطع ، وفي مراسيله بسند ضعيف " نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتحدث الرجلان وبينهما أحد يصلي " ، وفي كامل ابن عدي بسند واه عن ابن عمر " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الإنسان إلى نائم أو متحدث " ، وفي الأوسط للطبراني من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف مرفوعا " نهيت أن أصلي خلف النائم والمتحدثين " ، وفي كتاب الصلاة لأبي نعيم : حدثنا سفيان عن ابن إسحاق عن معدي كرب عن عبد الله قال "لا يصلي بين يدي قوم يمترون" ، وعن سعيد بن جبير : "إذا كانوا يذكرون الله فلا بأس" ، وفي رواية : "كره سعيد أن يصلي وبين يديه متحدث" ، وضرب عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رجلين أحدهما يستقبل الآخر وهو يصلي .

                                                                                                                                                                                  السادس : قال بعضهم : وقد استدل بقولها : غمزني على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء ، وتعقب باحتمال الحائل أو بالخصوصية [ ص: 115 ] ( قلت ) هذا القائل أخذ بعض هذا من الكرماني فإنه قال ( فإن قلت ) : هل هو دليل على أن لمس المرأة لا ينقض الوضوء ؟ ( قلت ) لا ؛ لاحتمال أن يكون بينهما حائل من ثوب ونحوه ، بل هو الظاهر من حال النائم . ( قلت ) هذا غير موجه ، قال ابن بطال : الأصل في الرجل أن يكون بغير حائل عرفا ، وكذلك اليد ، وقول الشافعي : كان غمزه إياها على ثوب فيه بعد ، وقوله : أو بالخصوصية غير صحيح ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المقام في مقام التشريع لا الخصوصية ، إذ من المعلوم أن الله عصمه في جميع أفعاله وأقواله ، وأيضا مجرد دعوى الخصوصية بلا دليل باطل ، فإذا كان الأمر كذلك قام لنا الدليل من الحديث أن لمس المرأة غير ناقض للوضوء ، والعناد بعد ذلك مكابرة .

                                                                                                                                                                                  السابع : فيه جواز الصلاة على الفراش ، وعقد البخاري الباب المذكور لذلك ، وفي التلويح ، واختلف في الصلاة على الفراش وشبهه فعند أبي حنيفة والشافعي : يصلي على البساط والطنفسة ، وحكى ابن أبي شيبة ذلك عن أبي الدرداء بلفظ : "ما أبالي لو صليت على ست طنافس بعضها فوق بعض" قال : وصلى ابن عباس على مسح ، وعلى طنفسة قد طبقت البيت صلاة المغرب ، وفعله أبو وائل ، وعمر بن الخطاب ، وعطاء ، وسعيد بن جبير ، وقال الحسن : لا بأس بالصلاة على الطنفسة ، وصلى قيس بن عباد على لبد دابته ، وكذلك قرة الهمداني ، وصلى على المسح عمر بن عبد العزيز ، وجابر بن عبد الله ، وعلي بن أبي طالب ، وأبو الدرداء ، وعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهم ، وقال مالك : البساط الصوف والشعر وشبهه إذا وضع المصلي جبهته ويديه على الأرض فلا أرى بالقيام عليها بأسا كأنه يريد ما ذكره ابن أبي شيبة عن جرير عن مغيرة عن إبراهيم عن الأسود وأصحابه أنهم كانوا يكرهون أن يصلوا على الطنافس والفرا والمسوح ، وقال ابن أبي شيبة : حدثنا ابن علية عن يونس عن الحسن أنه كان يصلي على طنفسة وقدماه وركبتاه عليها ويداه وجبهته على الأرض أو بردي ، وعن ابن سيرين وابن المسيب وقتادة : الصلاة على الطنفسة محدث ، وكره الصلاة على غير الأرض عروة بن الزبير ، وجابر بن زيد ، وابن مسعود ، ونهى أبو بكر عن الصلاة على البرادع ، وقال أبو نعيم في كتاب الصلاة تأليفه : حدثنا زمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على بساط ، وحدثنا زمعة عن عمرو بن دينار عن كريب عن أبي معبد عن ابن عباس قال : قد صلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على بساط . .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية