الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
هذا الموضع يحتاج إلى تحرير قوي ، فإن أكثر من تصدى لشرحه لم يغن شيئا ، بل بعضهم ركب البعاد ، وخرط القتاد فنقول وبالله التوفيق : إن قوله : باب إما أن يضاف إلى ما بعده أو يقطع عنه ، وإن لفظة "قبلة" بعد قوله : "ولا في المغرب" إما أن تكون موجودة أو لا ، ولكل واحد من ذلك وجه ؛ ففي القطع وعدم وجود لفظة "قبلة" يكون لفظة "باب" منونا على تقدير هذا باب ، ويجوز أن يكون ساكنا مثل تعداد الأسماء ؛ لأن الإعراب لا يكون إلا بالعقد والتركيب ، ويكون قوله : "قبلة أهل المدينة" الذي هو كلام إضافي مبتدأ ، أو . قوله : "وأهل الشام" بالجر عطفا على المضاف إليه ، وكذلك قوله : "والمشرق" بالجر ، وقوله : "ليس في المشرق" خبر المبتدأ ، ولكن لا بد فيه من تقديرين أحدهما أن يقدر لفظ قبلة الذي هو المبتدأ بلفظ مستقبل أهل الشام لوجوب التطابق بين المبتدأ والخبر في التذكير والتأنيث ، والثاني أن يؤول لفظ المشرق بالتشريق ، ولفظ المغرب بالتغريب ، والعرب تطلق المشرق والمغرب لمعنى التشريق والتغريب قاله nindex.php?page=showalam&ids=15611ثعلب ، وأنشد :
أبعد مغربهم بغداد ساحتها
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15611ثعلب : معناه أبعد تغريبهم ، ( فإن قلت ) : لم لم يذكر المغرب بعد قوله : والمشرق مع أن العلة فيهما مشتركة ؟ ( قلت ) اكتفى بذلك عنه كما في قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81سرابيل تقيكم الحر أي : والبرد ، وأما تخصيص المشرق فلأن أكثر بلاد الإسلام في جهة المشرق ، وأما في الإضافة وتقدير وجود لفظ "قبلة" بعد قوله "ولا في المغرب" فتقديره هذا باب في بيان قبلة أهل المدينة ، وقبلة أهل الشام ، وقبلة أهل المشرق ، ثم بين ذلك بالجملة الاستئنافية ، وهي قوله : ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة ، ولهذا ترك العاطف ، والجملة الاستئنافية في الحقيقة جواب عن سؤال مقدر ، وهو أنه لما قال : باب : قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق انتصب سائل فقال : كيف قبلة هذه المواضع ؟ فقال : ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14486السفاقسي : يريد أن قبلة هؤلاء المسلمين ليست في المشرق منهم ، ولا في المغرب بدليل أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أباح لهم قضاء الحاجة في جهة المشرق منهم والمغرب . ( قلت ) معناه : القبلة ما بينهما لما روى nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي بإسناده عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله تعالى عليه وسلم nindex.php?page=treesubj&link=32607nindex.php?page=hadith&LINKID=662683 "ما بين المشرق والمغرب قبلة" ، ثم قال : وقد روي عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=662683ما بين المشرق والمغرب قبلة ، منهم nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ، nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي بن أبي طالب ، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : إذا جعلت المغرب عن يمينك ، والمشرق عن يسارك فما بينهما قبلة إذا استقبلت القبلة ، وقوله صلى الله تعالى عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=662683 "ما بين المشرق والمغرب قبلة" ليس عاما في سائر البلاد ، وإنما هو بالنسبة إلى المدينة الشريفة وما وافق قبلتها ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في الخلافيات ، والمراد - والله أعلم - أهل المدينة ومن كانت قبلته على سمت أهل المدينة ، وقال أحمد بن خالد الذهبي : قول nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : ما بين المشرق والمغرب قبلة قاله بالمدينة ، فمن كانت قبلته مثل قبلة المدينة فهو في سعة ما بين المشرق والمغرب ، ولسائر البلدان من السعة في القبلة مثل ذلك بين الجنوب والشمال ونحو ذلك ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : تفسير هذه الترجمة يعني : وقبلة مشرق الأرض كلها إلا ما قابل مشرق مكة من البلاد التي تكون تحت الخط المار عليها من المشرق إلى المغرب ، فحكم مشرق الأرض كلها كحكم مشرق أهل المدينة والشام في الأمر بالانحراف عند الغائط ؛ لأنهم إذا شرقوا أو غربوا لم يستقبلوا القبلة ولم يستدبروها ، قال : وأما ما قابل مشرق مكة من البلاد التي تكون تحت الخط المار عليها من مشرقها إلى مغربها فلا يجوز لهم استعمال هذا الحديث ، ولا يصح لهم أن يشرقوا ولا أن يغربوا ؛ لأنهم إذا شرقوا استدبروا القبلة ، وإذا غربوا استقبلوها ، وكذلك من كان موازيا بمغرب مكة إن غرب استدبر القبلة ، وإن شرق استقبلها ، وإنما ينحرف إلى الجنوب أو الشمال ، فهذا هو تغريبه ، وتشريقه .
قال : وتقدير الترجمة : باب : قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق والمغرب ليس في التشريق ولا في التغريب ؛ يعني أنهم عند الانحراف للتشريق والتغريب ليسوا مواجهين للقبلة ، ولا مستدبرين لها .
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=703321لا تستقبلوا القبلة بغائط أو بول ، ولكن شرقوا أو غربوا .
هذا التعليق رواه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي موصولا ، فقال : أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=17152منصور قال : حدثنا سفيان عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري عن عطاء بن يزيد عن nindex.php?page=showalam&ids=50أبي أيوب الأنصاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=703321 "لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ، ولكن شرقوا أو غربوا" واحتج nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري [ ص: 129 ] بعموم هذا الحديث وسوى بين الصحاري والأبنية ، وجعله دليلا للترجمة التي وضعها ، واعترض عليه بأن في نفس حديثه الذي ذكره nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود في سننه nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري أيضا على ما يجيء الآن ما يدل على عكس ما أراده ، وذلك أن nindex.php?page=showalam&ids=50أبا أيوب رضي الله تعالى عنه قال في حديثه : فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة ، لكنا ننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل .
قلت : لا يرد عليه هذا أصلا ؛ لأن المنع لأجل تعظيم القبلة وهو موجود في الصحراء والبنيان ، ولهذا قالnindex.php?page=showalam&ids=50أبو أيوب : لكنا ننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل . وهذا هو الذي ذهب إليه nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في رواية ، وذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك إلى أنه nindex.php?page=treesubj&link=28198يحرم استقبال القبلة في الصحراء بالبول والغائط ولا يحرم ذلك في البنيان ، وقد استقصينا الكلام فيه في كتاب الوضوء .
المكتبة الإسلامية
كتاب الأمة
حول المكتبة
قائمة الكتب
عرض موضوعي
تراجم الأعلام
الرئيسية
موسوعات
مقالات
الفتوى
الاستشارات
الصوتيات
المواريث
بنين وبنات