الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  391 64 - حدثنا مسلم قال : حدثنا هشام قال : حدثنا يحيى بن أبي كثير ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن جابر قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على راحلته حيث توجهت ، فإذا أراد الفريضة نزل فاستقبل القبلة .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقة هذا الحديث للترجمة في قوله ( فاستقبل القبلة ) .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر رجاله ) : وهم خمسة ؛ الأول : مسلم بن إبراهيم القصاب . الثاني : هشام الدستوائي . الثالث : يحيى بن أبي كثير ، بالثاء المثلثة . الرابع : محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان العامري المدني . الخامس : جابر بن عبد الله الأنصاري .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في ثلاثة مواضع ، وفيه العنعنة في موضعين ، وفيه ذكر مسلم شيخ البخاري غير منسوب ، وفي رواية الأصيلي مسلم بن إبراهيم ، وفيه ذكر هشام أيضا غير منسوب وفي رواية الأصيلي هشام بن أبي عبد الله ، وفيه محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وليس له في الصحيح عن جابر غير هذا الحديث ، وفي طبقته محمد بن عبد الرحمن بن نوفل ولم يخرج له البخاري عن جابر شيئا . وفيه أن رواته ما بين بصري ويماني ومدني .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر تعدد موضعه ومن أخرجه غيره ) : أخرجه البخاري أيضا في تقصير الصلاة عن معاذ بن فضالة عن هشام ، وعن أبي نعيم عن شيبان عن يحيى بن أبي كثير به ، وأخرجه أيضا في المغازي عن آدم عن ابن أبي ذئب عن عثمان بن عبد الله بن سراقة عن جابر رضي الله تعالى عنه ، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من حديث ابن عمر قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي على حمار وهو متوجه إلى خيبر . وأخرج أبو داود والترمذي من حديث جابر : بعثني النبي - صلى الله عليه وسلم - في حاجة ، فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق السجود أخفض . قال الترمذي : حسن صحيح . وفي الباب عن أنس عند الدارقطني في غرائب مالك وعامر بن أبي ربيعة عند البخاري ومسلم وأبي سعيد عند ....

                                                                                                                                                                                  ( ذكر معناه ) : قوله ( على راحلته ) ، الراحلة الناقة التي تصلح لأن ترحل ، وكذلك الرحول ، ويقال : الراحلة المركب من الإبل ذكرا كان أو أنثى . قوله ( حيث توجهت به ) ، هذه رواية الكشميهني ، وفي رواية غيره : " توجهت " بدون لفظة " به " .

                                                                                                                                                                                  قوله : ( فإذا أراد الفريضة ) ؛ أي : إذا أراد أن يصلي صلاة الفرض نزل عن الراحلة واستقبل القبلة .

                                                                                                                                                                                  ( ذكر ما يستنبط منه ) : فيه الدلالة على عدم ترك استقبال القبلة في الفريضة وهو إجماع ولكن رخص في شدة الخوف ، وفي خلاصة الفتاوى : أما صلاة الفرض على الدابة بالعذر فجائزة ، ومن الأعذار المطر . وعن محمد : إذا كان الرجل في السفر فأمطرت السماء فلم يجد مكانا يابسا ينزل للصلاة فإنه يقف على الدابة مستقبل القبلة ويصلي بالإيماء إذا أمكنه إيقاف الدابة ، فإن لم يمكنه يصلي مستدبر القبلة ، وهذا إذا كان الطين بحال يغيب وجهه ، فإن لم يكن بهذه المثابة لكن الأرض ندية صلى هنالك . ثم قال : هذا إذا كانت الدابة تسير بنفسها ، أما إذا سيرها صاحبها فلا يجوز التطوع ولا الفرض ، فمن الأعذار كون الدابة جموحا لو نزل لا يمكنه الركوب ، ومنها اللص والمرض وكونه شيخا كبيرا لا يجد من يركبه ، ومنها الخوف من السبع . وفي المحيط : تجوز الصلاة على الدابة في هذه الأحوال ، ولا يلزمه الإعادة بعد زوال العذر ، وهذا كله إذا كان خارج المصر . وفي المحيط : من الناس من يقول إنما يجوز التطوع [ ص: 137 ] على الدابة إذا توجهت إلى القبلة عند افتتاحها ثم يترك التوجه وانحرف عن القبلة ، أما لو افتتحها إلى غير القبلة لا تجوز ، وعند العامة : تجوز كيف ما كان ، وصرح في الإيضاح أن القائل به الشافعي ، وقال ابن بطال : استحب ابن حنبل وأبو ثوران يفتتحها متوجها إلى القبلة ثم لا يبالي حيث توجهت . وقالت الشافعية : المنفرد في الركوب على الدابة إن كانت سهلة يلزمه أن يدير رأسها عند الإحرام إلى القبلة في أصح الوجهين ، وهو رواية ابن المبارك ذكرها في جوامع الفقه ، وفي الوجه الثاني : لا يلزمه ، وفي القطار والدابة الصعبة لا يلزمه ، وفي العمادية : وفي المحمل الواسع يلزمه التوجه كالسفينة ، وقيل : في الدابة يلزمه في السلام أيضا ، والأصح أن الماشي يتم ركوعه وسجوده ويستقبل فيهما وفي إحرامه ولا يمشي إلا في قيامه ، ومذهب أصحابنا قول الجمهور ، وهو قول علي وابن الزبير وأبي ذر وأنس وابن عمر ، وبه قال طاوس وعطاء والأوزاعي والثوري ومالك والليث ، ولا يشترط أن يكون السفر طويلا عند الجمهور ، بل لكل من كان خارج المصر فله الصلاة على الدابة ، واشترط مالك مسافة القصر ، ويحكى هذا أيضا عن بعض الشافعية ، ومذهب ابن عمر منع التنفل في السفر بالنهار جملة ، وجوازه ليلا على الأرض والراحلة ، حكاه ابن المنذر في حواشيه ، وأما التنفل على الدابة في الحضر فلا يجوز عند أبي حنيفة ومحمد والإصطخري من الشافعية ، ويجوز عند أبي يوسف ، وعن محمد : يجوز ولكن يكره ، والأحاديث الدالة على جواز التنفل على الدابة وردت في السفر ؛ ففي رواية جابر كانت في غزوة أنمار وهي غزوة ذات الرقاع ، وفي رواية : " أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو منطلق إلى بني المصطلق فأتيته وهو يصلي على بعيره " ، وفي رواية ابن عمر : " بطريق مكة " ، وفي رواية : " متوجه إلى المدينة " ، وفي رواية : " متوجه إلى خيبر " ، والحاصل أنها كانت مرات كلها في السفر .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : روي عن أبي يوسف في جوازه في المدينة أيضا فقال : حدثني فلان ورفع الإسناد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركب الحمار في المدينة يعود سعد بن عبادة وكان يصلي - قلت : هذا شاذ ، وهو فيما تعم به البلوى لا يكون حجة ، ولكن لقائل أن يقول : لأبي يوسف على ما ذهب إليه أن يحتج بما رواه أنس أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى على حمار في أزقة المدينة يومئ إيماء ، ذكره ابن بطال . .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية