الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  435 ( وقال ابن عباس : لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى )

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  هذا التعليق رواه أبو داود موصولا عن ابن عباس هكذا موقوفا ، وروي عنه مرفوعا قال : حدثنا محمد بن الصباح عن سفيان ، أخبرنا سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري عن أبي فزارة عن يزيد بن الأصم عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أمرت بتشييد المساجد " ، قال ابن عباس : لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى ، وأبو فزارة اسمه راشد بن كيسان .

                                                                                                                                                                                  وإنما اقتصر البخاري على الموقوف منه ولم يذكر المرفوع منه للاختلاف على يزيد بن الأصم في وصله وإرساله ، ويزيد هذا روى له مسلم والأربعة .

                                                                                                                                                                                  قوله ( لتزخرفنها ) أي : لتزخرفن المساجد بضم الفاء ونون التأكيد ، والضمير فيه للمذكرين ، وأما اللام فيه فقد ذكر الطيبي فيه وجهين ، الأول : أن تكون مكسورة ، وهي لام التعليل للنفي قبله ، والمعنى : ما أمرت بتشييد المساجد لأجل زخرفتها ، والتشييد من شيد يشيد رفع البناء والإحكام ، ومنه قوله تعالى : ولو كنتم في بروج مشيدة الوجه الثاني : فتح اللام على أنها جواب القسم ، وقال بعضهم : هذا هو المعتمد ، والأول لم تثبت به الرواية أصلا ، قلت : الذي قاله الطيبي هو الذي يقتضيه الكلام ، ولا وجه لمنعه ، ودعوى عدم ثبوت الرواية يحتاج إلى برهان ، ومعنى الزخرفة التزيين ، يقال : زخرف الرجل كلامه إذا موهه وزينه بالباطل ، والزخرف الذهب ، والمعنى ههنا تمويه المساجد بالذهب ونحوه كما زخرفت اليهود كنائسهم والنصارى بيعهم . قال الخطابي : وإنما زخرفت اليهود والنصارى كنائسها وبيعها حين حرفت الكتب ، وبدلتها فضيعوا الدين ، وعرجوا على الزخارف والتزيين ، وقال محيي السنة : إنهم زخرفوا المساجد عند ما بدلوا [ ص: 206 ] دينهم ، وأنتم تصيرون إلى مثل حالهم ، وسيصير أمركم إلى المراآة بالمساجد والمباهاة بتزيينها ، وبهذا استدل أصحابنا على أن نقش المسجد وتزيينه مكروه ، وقول بعض أصحابنا : ولا بأس بنقش المسجد ، معناه : تركه أولى ، ولا يجوز من مال الوقف ، ويغرم الذي يخرجه سواء كان ناظرا أو غيره ، ( فإن قلت ) : ما وجه الكراهة إذا كان من ماله دون مال الوقف ؟ قلت : إما اشتغال المصلي به ، وإما إخراج المال في غير وجهه .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية