الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6982 قال أبو العالية: استوى إلى السماء ارتفع فسواهن خلقهن.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  أبو العالية رفيع بن مهران الرياحي، سمع ابن عباس، وقال الكرماني: أبو العالية بالمهملة والتحتانية كنية لتابعيين بصريين راويين عن ابن عباس اسم أحدهما رفيع مصغر رفع ضد الخفض، واسم الآخر زياد بالتحتانية الخفيفة، انتهى، قلت: لم يعين أيهما، قال: استوى إلى السماء: ارتفع، وكذلك غيره من الشراح أهمل ولم يبين، والظاهر أنه رفيع لشهرته أكثر من زياد ولكثرة روايته عن ابن عباس، والتعليق المذكور وصله الطبري: عن محمد بن أبان، حدثنا أبو بكر بن عياش، عن حصين، عن أبي العالية، وقد اختلف العلماء في معنى الاستواء، فقالت المعتزلة: بمعنى الاستيلاء والقهر والغلبة، كما في قول الشاعر:


                                                                                                                                                                                  قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق

                                                                                                                                                                                  بمعنى قهر وغلب، وأنكر عليهم بأنه لا يقال استولى إلا إذا لم يكن مستوليا، ثم استولى، والله - عز وجل - لم يزل مستوليا قاهرا غالبا، وقال أبو العالية: معنى استوى ارتفع، وفيه نظر; لأنه لم يصف به نفسه، وقالت المجسمة: معناه استقر، وهو فاسد; لأن الاستقرار من صفات الأجسام ويلزم منه الحلول والتناهي، وهو محال في حق الله تعالى، واختلف أهل السنة فقال بعضهم: معناه ارتفع مثل قول أبي العالية، وبه قال أبو عبيدة والفراء وغيرهما، وقال بعضهم: معناه ملك وقدر، وقال بعضهم: معناه علا، وقيل: معنى الاستواء التمام والفراغ من فعل الشيء، ومنه قوله تعالى: ولما بلغ أشده واستوى فعلى هذا فمعنى استوى على العرش أتم الخلق، وخص لفظ العرش لكونه أعظم الأشياء، وقيل: إن على في قوله: على العرش بمعنى إلى، فالمراد على هذا انتهى إلى العرش، أي: فيما يتعلق بالعرش; لأنه خلق الخلق شيئا بعد شيء، والصحيح تفسير استوى بمعنى علا كما قاله مجاهد على ما يأتي الآن، وهو المذهب الحق وقول معظم أهل السنة; لأن الله سبحانه وتعالى وصف نفسه بالعلي.

                                                                                                                                                                                  واختلف أهل السنة هل الاستواء صفة ذات أو صفة فعل، فمن قال معناه علا قال: هي صفة ذات، ومن قال غير ذلك قال: هي صفة فعل.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فسواهن خلقهن" هو من كلام أبي العالية أيضا.

                                                                                                                                                                                  قوله: "خلقهن" كذا في رواية الكشميهني، وفي رواية غيره: فسوى خلق، والمنقول عن أبي العالية بلفظ: فقضاهن، كما أخرجه الطبري من طريق أبي جعفر الرازي عنه في قوله تعالى: ثم استوى إلى السماء قال: ارتفع، وفي قوله: فقضاهن خلقهن، والذي وقع فسواهن تغيير، وفي تفسير سوى بخلق نظر; لأن في التسوية قدرا زائدا على الخلق كما في قوله تعالى: الذي خلق فسوى




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية