الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قال المهلب: غرض البخاري من الباب الفرق بين وصف كلامه بأنه مخلوق ووصفه بأنه حادث، يعني لا يجوز إطلاق المخلوق عليه، ويجوز إطلاق الحادث عليه. وقال الكرماني: لم يقصد ذلك ولا يرضى بما نسبه إليه; إذ لا فرق بينهما عقلا ونقلا وعرفا، وقيل: إن مقصوده أن حدوث القرآن وإنزاله إنما هو بالنسبة إلينا، وقيل: الذي ذكره المهلب هو قول بعض المعتزلة وبعض الظاهرية، فإنهم اعتمدوا على قوله عز وجل: ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث فإنه وصف الذكر الذي هو القرآن بأنه محدث وهذا خطأ; لأن الذكر الموصوف في الآية بالإحداث ليس هو نفس كلامه تعالى; لقيام الدليل على أن محدثا ومخلوقا ومخترعا ومنشأ ألفاظ مترادفة على معنى واحد، فإذا لم يجز وصف كلامه تعالى القائم بذاته بأنه مخلوق لم يجز وصفه بأنه محدث، فالذكر الموصوف في الآية بأنه محدث هو الرسول صلى الله عليه وسلم; لأنه قد سماه الله في آية أخرى ذكرا فقال تعالى: أنزل الله إليكم ذكرا رسولا " فسماه ذكرا في هذه الآية فيكون المعنى "ما يأتيهم من رسول من ربهم محدث" ويحتمل أن يكون المراد بالذكر هنا هو وعظ الرسول صلى الله عليه وسلم، وتحذيره إياهم من المعاصي، فسمى وعظه ذكرا، وأضافه إليه؛ لأنه فاعل له، وقيل: رجوع الإحداث إلى الإنسان لا إلى الذكر القديم; لأن نزول القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان شيئا بعد شيء، فكان يحدث نزوله حينا بعد حين، وقيل: جاء الذكر بمعنى العلم كما في قوله تعالى: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون وبمعنى العظمة كما في قوله: ص والقرآن ذي الذكر أي: العظمة، وبمعنى الصلاة كما في قوله تعالى: فاسعوا إلى ذكر الله وبمعنى الشرف كما في قوله: وإنه لذكر لك ولقومك فإذا كان الذكر يجيء بهذه المعاني وهي كلها محدثة كان حمله على أحد هذه المعاني أولى.

                                                                                                                                                                                  وقال الداودي: الذكر في الآية القرآن قال: وهو محدث عندنا وهذا ظاهر قول البخاري; لقوله: "وأن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين" فأثبت أنه محدث وهو من صفاته، ولم يزل سبحانه وتعالى بجميع صفاته. وقال ابن التين: هذا منه عظيم، واستدلاله يرد عليه؛ لأنه إذا كان لم يزل بجميع صفاته وهو قديم، فكيف تكون صفته محدثة وهو لم يزل بها؟! إلا أن يريد أن المحدث غير المخلوق كما يقوله البلخي ومن تبعه، وهو ظاهر كلام البخاري؛ حيث قال: وإن حدثه لا يشبه حدث المخلوقين فأثبت أنه محدث، ثم قال الداودي نحو ما ذكره في شرح قول عائشة: (ولشأني أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى) قال الداودي: فيه أن الله تعالى تكلم ببراءة عائشة حين أنزل فيها بخلاف بعض قول الناس أنه لم يتكلم، وقال ابن التين أيضا: هذا من الداودي عظيم; لأنه يلزم منه أن يكون الله متكلما بكلام حادث فتحل فيه الحوادث، تعالى الله عن ذلك، وإنما المراد بأنزل الإنزال الذي هو المحدث ليس أن الكلام القديم نزل الآن.

                                                                                                                                                                                  وقال الكرماني: قوله: وحدثه أي: إحداثه، ثم قال: اعلم أن صفات الله تعالى إما سلبية وتسمى بالتنزيهات، وإما وجودية حقيقية كالعلم والقدرة، وإنها قديمة لا محالة، وإما إضافية كالخلق والرزق، وهي حادثة لا يلزم تغير في ذات الله وصفاته التي هي بالحقيقة صفات له، كما أن تعلق العلم والقدرة بالمعلومات والمقدورات حادثة، وكذا كل صفة فعلية له، فحين تقررت هذه القاعدة فالإنزال مثلا حادث والمنزل قديم، وتعلق القدرة حادث ونفس القدرة قديمة، والمذكور وهو القرآن قديم والذكر حادث.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية