( المسألة الأولى )
وقع البحث فيه مع جماعة من الفضلاء فقال بعضهم هو أن يتكرر الذنب منه سواء كان يعزم على العود أم لا . ما حقيقة الإصرار الذي يصير الصغيرة كبيرة
وقال بعضهم إن تكرر من غير عزم لم يكن إصرارا بأن يفعل الذنب أول مرة ، وهو لا يخطر له معاودته لداعية متجددة فيفعله كذلك مرارا فهذا ليس إصرارا ، وتارة يفعل الذنب ، وهو عازم على معاودته فيعاوده بناء على ذلك العزم السابق فهذا هو الإصرار الناقل للصغيرة لدرجة الكبيرة ، ولذلك قال الله تعالى { ولم يصروا على ما فعلوا } ويقال فلان مصر على العداوة أي مصمم بقلبه عليها ، وعلى مصاحبتها ، ومداومتها ، ولا يفهم في [ ص: 68 ] عرف الاستعمال من الإصرار إلا العزم والتصميم على الشيء ، والأصل عدم النقل والتغيير فوجب أن يكون ذلك معناه لغة وشرعا هذا هو الذي ترجح عندي .
( المسألة الثانية ) فإن ذلك ليس فيه نص من الكتاب ولا من السنة قال بعض العلماء ينظر إلى ما يحصل من ملابسة أدنى الكبائر من عدم الوثوق بملابستها في أداء الشهادة والوقوف عند حدود الله تعالى ثم ينظر لذلك التكرر في الصغيرة فإن حصل في النفس من عدم الوثوق ما حصل من أدنى الكبائر كان هذا الإصرار كبيرة تخل بالعدالة ، وهذا يؤكد أنه لا بد فيه من العزم فإن الفلتات من غير أن تستمر لا تكاد تخل بالوثوق نعم قد تدل كثرة التكرار على فرار العزم في النفس ، وبهذا الضابط أيضا يعلم المباح المخل بقبول الشهادة كالأكل في الأسواق ونحوه فإن يصدر منه صدورا يوجب عدم الوثوق به في حدود الله تعالى كان ذلك مخلا [ ص: 69 ] ما ضابط التكرر في الإصرار الذي يصير الصغيرة كبيرة
وذلك يختلف بحسب الأحوال المقترنة والقرائن المصاحبة وصورة الفاعل وهيئة الفعل ، والمعتمد في ذلك ما يؤدي إلى ما يوجد في القلب السليم عن الهواء المعتدل المزاج والعقل والديانة العارف بالأوضاع الشرعية فهذا هو المتعين لوزن هذه الأمور فإن من غلب عليه التساهل في طبعه لا يعد الكبيرة شيئا ، ومن غلب عليه التشديد في طبعه يجعل الصغيرة كبيرة فلا بد من اعتبار ما تقدم ذكره في العقل الوازن لهذه الاعتبارات ، ومتى تخللت التوبة الصغائر فلا خلاف أنها لا تقدح في العدالة ، وكذلك ينبغي إذا كانت من أنواع مختلفة ، وإنما يحصل الشبه واللبس إذا تقررت من النوع الواحد ، وهو موضوع النظر الذي تقدم التنبيه عليه