( الفرق الرابع والأربعون والمائتان بين قاعدة وقاعدة ما ليس كذلك ) . قاعدة يقع بها الفرق وهي أن الشبهات ثلاثة : شبهة في الوطء وشبهة في الموطوءة وشبهة في الطريق فالشبهة الأولى تعم الحدود والكفارات ومثالها ما هو شبهة تدرأ بها الحدود والكفارات ، ومثال شبهة الموطوءة اعتقاد أن هذه الأجنبية امرأته ومملوكته أو نحو ذلك فما فيها من نصيبه يقتضي عدم الحد ، وما فيها من ملك غيره يقتضي الحد فيحصل الاشتباه وهي عين الشبهة كما أن اعتقاد الأولى الذي هو جهل مركب وغير مطابق يقتضي عدم الحد من حيث إنه معتقد الإباحة ، وعدم المطابقة في اعتقاده يقتضي الحد فحصلت الشبهة من الشبهين ، ومثال الثالثة اختلاف العلماء في إباحة الموطوءة كنكاح المتعة ونحوه فإن قول المحرم يقتضي الحد وقول المبيح يقتضي عدم الحد فحصلت الشبهة من الشبهتين فهذه الثلاثة هي ضابط الشبهة المعتبرة في إسقاط الحدود والكفارات في إفساد صوم رمضان غير أن لها شرطا وهو اعتقاد مقارنة السبب المبيح . الأمة المشتركة إذا وطئها أحد الشريكين
قال في المدونة في كتاب الصيام إذا مالك أو امرأة جامع في رمضان ناسيا فظن أن ذلك يبطل صومه فتعمد الفطر ثانية أو رأت الطهر في رمضان ليلا فلم تغتسل حتى أصبحت فظنت أنه لا صوم [ ص: 173 ] لمن لم يغتسل قبل الفجر فأكلت أو مسافر قدم إلى أهله ليلا فظن أن من لم يدخل نهارا قبل أن يمسي أن صومه لا يجزئه ، وأن له أن يفطر فأفطر فليس على هؤلاء إلا القضاء بلا كفارة قال عبد بعثه سيده في رمضان يرعى غنما له على مسيرة ميلين أو ثلاثة فظن أن ذلك سفر فأفطر ابن القاسم ، وما رأيت يجعل الكفارة في شيء من هذه الوجوه على التأويل إلا مالكا والذي امرأة قالت اليوم أحيض وكان يوم حيضها ذلك فأفطرت أول نهارها وحاضت في آخره فقال عليهما القضاء والكفارة . يقول اليوم يوم جمادى فيأكل في رمضان متعمدا في أول النهار ثم يمرض في آخره مرضا لا يقدر على الصوم معه
ووجه الفرق بين الحائض والمريض وبين ما تقدم من المسائل أن تلك اعتقد فيها المقدم عليها اقتران السبب المبيح وفي هاتين اعتقد أنه سيقع فأوقعا الإباحة قبل سببها فهما مصيبان من حيث إن المرض والحيض مبيحان مخطئان في التقديم للحكم على سببه ، والأول مخطئون في حصول السبب مصيبون في اعتقاد المقارنة ، ولم يقصدوا تقديم الحكم على سببه فعذروا بالتأويل الفاسد ، ولم يعذر الآخران بالتأويل الفاسد ، وسر الفرق في ذلك أن تقديم الحكم على سببه بطلانه مشهور غير ملتبس في الشريعة فلا صلاة قبل الزوال ، ولا صوم قبل الهلال ، ولا عقوبة قبل الجنايات ، وهو كثير لا يعد ، ولا يحصى حتى لا يكاد يوجد خلافه ألبتة . وأما اشتباه صورة الأسباب المبيحة وتحقيق شروطها ومقاديرها فلا يعلمه إلا الفقهاء الفحول وتحقيقه [ ص: 174 ] عسير على أكثر الناس فكان اللبس فيه عذرا ، وما هو مشهور لا يكون اللبس فيه عذرا ونظير الحائض والمريض في الكفارات في الحدود أن أو يشرب خمرا يعتقد أنه سيصير خلا فإن الحد لا يسقط لعدم اعتقاد مقارنة العلم لسببه بخلاف أن يعتقد أنه في الوقت الحاضر حل أو هي امرأته أو جاريته في الوقت الحاضر فهذا لا حد عليه فيتحصل لك من ذلك الفرق بين مسائل يطأ امرأة يعتقد أنه سيتزوجها التي اختلف قوله فيها ويتحصل أيضا قيد آخر ينعطف على الشبهة فيكون شرطا فيها وهو أنا نشترط اعتقاد المقارنة في درء الكفارات والحدود فهذا هو ضابط الشبهة المسقطة للحدود والكفارات ، وما خرج عن هذه الثلاثة فيه الحد والكفارة كمن مالك أو تزوج خامسة أو مبتوتة ثلاثا قبل زوج أو أخته من الرضاع أو النسب أو ذات محرم عامدا عالما بالتحريم ، وما خرج عن هذه الثلاثة ففيه الحد والكفارة . انتهك حرمة رمضان بالفطر
( سؤال ) قلت لبعض الفضلاء : الحديث الذي يستدل به الفقهاء وهو ما يروى { } لم يصح ، وإذا لم يكن صحيحا ما يكون معتمدنا في هذه الأحكام ؟ . ( جوابه ) قال لي يكفينا أن نقول حيث أجمعنا على إقامة الحد كان سالما عن الشبهة وما قصر عن محل الإجماع لا يلحق به عملا بالأصل حتى يدل دليل على إقامة الحد في صور الشبهات وهو جواب حسن [ ص: 175 ] . ادرءوا الحدود بالشبهات