المسألة الخامسة اختلف العلماء في ، واختلفت عبارات الفقهاء فيه فمنهم من يقول في الطلاق بالنية قولان وهم الجمهور ، ومنهم من يقول اعتقد الطلاق بقلبه ولم يلفظ به بلسانه ففيه قولان وهذه عبارة صاحب الجلاب والعبارتان غير مفصحتين عن المسألة فإن من الطلاق بالقلب من غير نطق لا يلزمه طلاق إجماعا فقولهم في الطلاق بالنية قولان متروك الظاهر إجماعا ، وكذلك من نوى طلاق امرأته ، وعزم عليه وصمم ثم بدا له لم يلزمه طلاق إجماعا ، وإنما العبارة الحسنة ما أتى بها صاحب الجواهر ، وذكر أن ذلك معناه الكلام النفساني ومعناه إذا أنشأ الطلاق بقلبه بكلامه النفساني ولم يلفظ به بلسانه فهو موضع الخلاف ، وكذلك أشار إليه اعتقد أن امرأته مطلقة ، وجزم بذلك ثم تبين له خلاف ذلك وقال إنهما إن اجتمعا أعني النفساني واللساني لزم الطلاق . القاضي أبو الوليد بن رشد
فإن انفرد أحدهما عن صاحبه فقولان فصارت النية لفظا مشتركا فيه بين معان مختلفة في اصطلاح أرباب المذهب ، يطلق على القصد والكلام النفساني فيقولون صريح الطلاق لا يحتاج إلى النية إجماعا ، وهو يحتاج إلى النية إجماعا وفي احتياجه إلى النية قولان ، وهو تناقض ظاهر لكنهم يريدون بالأول قصد استعمال اللفظ في موضوعه فإن ذلك إنما يحتاج إليه في الكناية دون الصريح ، ويريدون بالثاني القصد للنطق بصيغة الصريح احترازا عن النائم ومن يسبقه لسانه ، ويريدون بالثالث الكلام النفساني وقد بسطت هذه المباحث في كتاب الأمنية في إدراك النية إذا تقرر أن الطلاق ينشأ بالكلام النفساني فقد صارت هذه المسألة من مسائل الإنشاء في كلام النفس ، وكذلك اليمين أيضا وقع الخلاف فيها وبهذا التقرير يظهر فساد قياس من قاس لزوم الطلاق بكلام النفس عن الكفر والإيمان فإنه يكفي فيهما كلام النفس ، وقع ذلك في الجلاب وغيره . هل تنعقد بإنشاء كلام النفس وحده أو لا بد من اللفظ
ووجه الفساد أن هذا إنشاء ، والكفر لا يقع بالإنشاء وإنما يقع بالإخبار والاعتقاد وكذلك الإيمان والاعتقاد من باب العلوم والظنون لا من باب الكلام وهما بابان مختلفان فلا يقاس أحدهما على الآخر ومن وجه آخر هو أن الصحيح في الإيمان أنه لا يكفي فيه مجرد الاعتقاد بل لا بد من النطق باللسان مع الإمكان على مشهور مذاهب العلماء كما حكاه في الشفاء وغيره فينعكس هذا القياس على قائسه على هذا التقرير ، ويقول وجب أن يفتقر إلى اللفظ قياسا على الإيمان بالله تعالى إن سلم له أن البابين واحد ، فكيف وهما مختلفان والقياس إنما يجري في المتماثلات . القاضي عياض