( الفرق الرابع والثمانون ) اعلم أن باطن الحيوان مشتمل على رطوبات كالدم والمذي والمني والبول وغير ذلك من الرطوبات وكذلك أثفال الغذاء والأخلاط الأربعة وهي الدم والصفراء والسوداء والبلغم وجميع ذلك في باطن الحيوان كله لا يقضي عليه بنجاسة فمن حمل حيوانا في صلاته لا تبطل صلاته فإذا انفصلت هذه الرطوبات والأثفال من باطن الحيوان فحينئذ يقبل أن يقضي عليها بالنجاسة فالدم لم أر أحدا قضى عليه بالطهارة . الفرق بين قاعدة النجاسات في الباطن من الحيوان وبين قاعدة النجاسات ترد على باطن الحيوان
وأما فهما نجسان من بني البول والعذرة آدم ومن كل حيوان يحرم أكله وأما ما يؤكل لحمه فهما منه عند طاهران وعند مالك نجسان ومن الشافعي قيل مكروهان كاللحم وقيل نجسان تغليبا للاستقذار وأما الحيوان المكروه الأكل فهما عند المالكية وغيرهم نجسان الدم والسوداء . والبلغم [ ص: 120 ] والصفراء
عند المالكية طاهران من الآدمي وغيره .
وأما فنجس عند المني وطاهر عند مالك والمذي نجس عندهما وكذا الودي والمعدة طاهرة عند الشافعي نجسة عند مالك هذا حكم الحيوان وما في باطنه قبل انفصاله . الشافعي
وأما ما حصل في باطنه من خارج من النجاسات بعد أن قضى عليه بالتنجيس فهو نجس وينجس ما ورد عليه من المعدة وغيرها فمن بطلت صلاته لأنه ملابس في صلاته ما قضى الله عليه بالنجاسة وقولنا ما في باطن الحيوان لا يقضى عليه بشيء إنما يريد العلماء بذلك الذي لم يقض عليه قبل ذلك بالتنجيس أما ما قضي عليه بالتنجيس قبل ذلك فلا فرق بينه في ظاهر الجسد وفي باطنه تبطل به الصلاة فإن حدث عنه عرق يختلف في نجاسة ذلك العرق بناء على الخلاف في رماد الميتة ونحوه من النجاسات التي طرأت عليها التغيرات والاستحالات فإذا صار غذاء وأجزاء من الأعضاء لحما وعظما وغيرهما من الأعضاء فقد صار طاهرا بعد الاستحالة فكذلك نقول في البقرة الجلالة والشاة تشرب لبن خنزير ونحو ذلك إذا بعدت الاستحالة طهر كما أن شرب خمرا أو أكل ميتة أو شرب بولا أو غيره من الأعيان النجسة قضي بطهارته بعد الاستحالة وما الدم إذا صار منيا ثم آدميا كان طاهرا عند طرح من الأغذية الطاهرة في معدة الحيوان حتى يتغير إلى صفة العذرة أو يختلط بنجاسة من عرق ينشر في باطن الجسد ونحوه وعند مالك كل ما يصل إلى المعدة يتنجس بها لأنها عنده نجسة وعرض ها هنا فرع وهو جبن الشافعي الروم فإنهم يعملونه بالإنفحة وهم لا يذكون بل الإنفحة ميتة قال المالكية المحققون هو نجس لذلك وقال بعض الفقهاء هو طاهر لأن المعدة طاهرة واللبن الذي يشربه فيها طاهر فيكون الجبن طاهرا وهذا ليس بجيد لأن بالموت صار جرم المعدة نجسا فينجس اللبن الكائن فيه فيصير الجبن نجسا
[ ص: 121 ] والذي رأيت عليه فتاوى العلماء في العصر تحريمه وتنجيسه بناء على هذا إذا تقررت هذه المباحث فيكون سر الفرق بين ما ينشأ في باطن الحيوان من النجاسات وبين ما ورد عليه من النجاسات أن الذي نشأ فيه أصله الطهارة فاستصحبت والوارد قد قضى عليه بالنجاسة قبل أن يرد فكان الأصل فيه النجاسة فاستصحبت فاستصحاب الحال فيهما أوجب الحكمين المختلفين