( الفرق الثامن والمائة بين قاعدة فيكون حول الأصل حول الربح ولا يشترط في الربح حول يخصه كان الأصل نصابا أم لا عند الأرباح تضم إلى أصولها في الزكاة رحمه الله ووافقه مالك رضي الله عنه إذا كان الأصل نصابا ومنع أبو حنيفة رضي الله عنه مطلقا وبين قاعدة الفوائد التي لم يتقدم لها أصل عند المكلف كالميراث والهبة وأرش الجناية وصدقات الزوجات ونحو ذلك فهذا يعتبر فيه الحول بعد حوزه وقبضه ) الشافعي
والفرق عندنا عضده قول عمر رضي الله عنه للساعي عد عليهم السخلة يحملها الراعي ولا تأخذها والسخلة عين متمولة نشأت عن عين متمولة زكوية كما نشأ الربح وهو عين زكوية عن عين زكوية وهو أصله فكما ضم أحدهما إلى أصله وجعل حوله حولا له كذلك الآخر الذي هو الربح ، وقولنا [ ص: 200 ] زكوية احترازا من أجر العقار فإنه لا يزكى ، وإن كان متمولا نشأ عن متمول ، غير أنه غير زكوي - أعني الأصل - وههنا قاعدة وهي سر الفرق بين الأرباح والفوائد يحتاج إليها بعد تقرر الأحكام فيها وهي أن صاحب الشرع متى أثبت حكما حالة عدم سببه ، أو شرطه فإن أمكن تقديرهما معه فهو أقرب من إثباته دونهما فإن إثبات المسبب دون سببه والمشروط بدون شرطه خلاف القواعد فإن ألجأت الضرورة إلى ذلك وامتنع التقدير عد ذلك الحكم مستثنى من تلك القواعد كما أثبت الشارع . الميراث في دية الخطأ
والميراث في الشريعة مشروط بتقدم ملك الميت على المال الموروث ، قدر العلماء رحمهم الله حتى يصح حكم التوريث فيها وكذلك إذا صححنا عتق الإنسان عن غيره في كفارة أو تطوع بإذنه ، أو بغير إذنه خلافا الملك في الدية متقدما على الموت بالزمن الفرد رضي الله عنه في اشتراط الإذن قدرنا ثبوت الملك قبل صدور صيغة العتق بالزمن الفرد حتى تبرأ ذمة المعتق عنه [ ص: 201 ] من الكفارة الواجبة عليه فإن الواجب من الكفارات لا يبرأ منه بعتق غير مملوكه حتى يثبت له الولاء أيضا فإن الولاء لا يثبت أصله عن غير مملوك للمعتق عنه ، أما غير أصالة بطريق الإذن فيحصل بغير تملك ، ههنا هو أصالة فتعين تقدير المالك للعتق عنه قبيل صدور صيغة العتق بالزمن الفرد لضرورة ثبوت هذه الأحكام ، فإذا قال له : أعتق عبدك عني ، نقدر هذه الصيغة مشتملة على التوكيل في شراء عبد له من نفسه وأنه يتولى طرفي العقد ، ومشتملة أيضا على أنه وكله أن يعتقه عنه عن كفارته بعد استقرار الملك له فهي صيغة مشتملة على وكالتين للشافعي ، فضرورة ثبوت حكم العتق عن الغير يحوج إلى هذه التقادير ، ونظائره كثيرة في الشريعة وهذه القاعدة تعرف بقاعدة التقديرات [ ص: 202 ] وهو إعطاء الموجود حكم المعدوم ، وإعطاء المعدوم حكم الموجود وقد تقدم بسطها في قاعدة خطاب الوضع وهي يحتاج إليها إذا دل دليل على ثبوت الحكم مع عدم سببه ، أو شرطه ، أو قيام مانعه . وكالة المعاوضة ووكالة العتق
وإذا لم تدع الضرورة إليها لا يجوز التقدير حينئذ ؛ لأنه خلاف الأصل وههنا لما دل الأثر على وجوب الزكاة في الأرباح تعين تقدير الربح والسخال في الماشية في أول الحول تحقيقا للشرط في وجوب الزكاة وهو دوران الحول فإن الحول لم يدر عليهما فيفعل ذلك محافظة على الشرط بحسب الإمكان ، واختلف في هذين التقديرين ابن القاسم رحمهما الله وأشهب فابن القاسم يقدر حالة الشراء ؛ لأنه سبب الربح فقدره ابن القاسم عنده لملازمة السبب لمسببه وعند يقدر يوم الحصول لئلا يجمع بين تقديرين تقدير الشراء والأعيان التي حصلت في الربح ، والتقدير على خلاف الأصل فيقتصر منه على ما تدعو الضرورة إليه ، وعند أشهب المغيرة التقدير يوم ملك أصل المال ؛ لأنه السبب .
وعلى هذه التقادير تتخرج مسألة المدونة إذا حال الحول على عشرة فأنفق منها خمسة واشترى سلعة بخمسة فباعها بخمسة عشر قال ابن القاسم : تجب الزكاة إن فإن التقدير حينئذ كان المال عشرة وهذه عشرة ربح فكمل النصاب حينئذ ، وإلا فلا تجب وأسقطها تقدم الشراء على الإنفاق مطلقا ؛ لأن التقدير عنده يوم الحصول ويوم الحصول لم تكن إلا خمسة عشر وأوجبها أشهب المغيرة مطلقا ؛ لأنه يقدر يوم ملكه العشرة ولا عبرة بتقديم الإنفاق وعدمه وعن مثل قول مالك رضي الله عنهما فلا يحتاج [ ص: 203 ] إلى هذه القاعدة مطلقا فهذه القاعدة - وهي قاعدة التقادير - يحتاج إليها في الفرق بين قاعدة الأرباح وقاعدة الفوائد إن قلنا بالفرق بينهما ، وإلا فلا والله أعلم . الشافعي