( القسم الثاني ) من الصفات الصفات الذاتية وهي كونه تعالى أزليا أبديا واجب الوجود فهذه الصفات ليست معانيها موجودة قائمة بالذات ولا هي سلب نقيصة كقولنا ليس بجسم بل صفات ذات واجب الوجود بمعنى أنها أحكام لتلك الذات كما نقول في السواد إنه جامع للبصر والبياض إنه مفرق للبصر وتصفه بذلك لا بمعنى أن جمع البصر في السواد وتفريقه في البياض صفة قائمة بالسواد والبياض بل بمعنى أنها أحكام ثابتة لتلك الحقائق فكذلك هاهنا من صفات الله تعالى ما تقدم [ ص: 44 ] ذكره على هذا التفسير ولما لم تكن صفة معنوية زائدة على الذات سماها العلماء صفات ذاتية فهذا هو تحقيقها .
وأما حكمها في الشريعة إذا فالظاهر من قول حلف بها رحمه الله أنه إذا قال : عمر الله يميني يكفر مع أن العمر هو البقاء والبقاء يرجع إلى مقارنة الوجود في الأزمنة والمقارنة نسبة لا وجود لها في الأعيان فقد اعتبر النسبة وجعل حكمها حكم الصفة الوجودية فلعله يقول في هذه الصفات كذلك ويوجب بها الكفارة إذا مالك ولم أر فيه نقلا غير ما ذكرته لك من التخريج فإن قلت الأبدية لا تكون في الأزل كما أن الأزلية لا تكون في المستقبل بل الأبدية اقتران الوجود بجميع الأزمنة المستقبلة والأزلية اقتران الوجود بجميع الأزمنة المتوهمة إلى غير نهاية من جهة الأزل فالأزل والأبد متنافيان لا يجتمعان . قال الحالف : وأزلية الله تعالى ووجوب وجوده وأبديته
ولا يكون أحدهما في الزمن الذي يكون فيه الآخر فعلى هذا لا يكون الأبد إلا متجددا بعد الأزل فإن جعلتم الحلف لا يكون إلا بقديم لم ينعقد الحلف بأبدية الله تعالى لتجددها بعد الأزل ثم إن جعلتم الحلف بالقديم كيف كان وجودا أو عدما يلزمكم أن من حلف بعدم العام أن يكون تلزمه الكفارة وليس كذلك قلت مسلم أن الأبدية لا تكون أزلية وهي متجددة بعد الأزلية غير أن أبدية الله تعالى ترجع إلى وجوده من حيث الجملة كالبقاء [ ص: 45 ] وعمر الله تعالى كما تقدم بيانه مع أن البقاء لا يعقل في المحدثات إلا بعد الحدوث فهو قرينة تقتضي التأخير من حيث الجملة عن أصل الوجود ومع ذلك فقد اعتبره ولم يلاحظ هذا المعنى ومقتضى ذلك اعتبار الأبدية والمقصود التخريج على المذهب لا إقامة الدليل على صحته وهذا التخريج صحيح في ظاهر الحال ولك أن تقول الأبدية لا تكون في الأزل وما لا يكون في الأزل يكون حادثا قطعا وأما البقاء فواقع في الأزل لأن اقتران الوجود كما حصل بالأزمنة المستقبلة حصل بالأزل وفيه لم يتعين له حدوث فمع الفرق لا يصح التخريج وأما عدم العالم فالجواب عنه أن لا نعتبر القديم كيف كان فإن عدم العالم بل عدم كل حادث قديم .
ولا يصح الحلف به بل يعتبر القدم المتعلق بذات الله ووجوده وصفاته العلا وعدم العالم والحوادث ليس متعلقا بوجود الله تعالى وصفاته فلذلك لم تلزم به كفارة ولم تشرع به يمين ( فائدة ) اختلف في القدم هل هو صفة ثبوتية وأنه تعالى قديم بقدم كالعلم وغيره أو هو صفة نسبية لا زائدة على ذاته تعالى بل قدمه استمرار وجوده مع جميع الأزمنة الماضية المحققة والمتوهمة الاستمرار نسبة بين الوجود والذات وكذلك جرى الخلاف في البقاء هل هو وجودي أم لا .