( الفرق السابع والعشرون والمائة بين قاعدة وبين قاعدة ما لا يوجب ) ما يوجب الكفارة إذا حلف به من أسماء الله تعالى
اعلم أن أسماء الله تعالى تسعة وتسعون اسما مائة إلا واحدا خرجه الترمذي وهي إما لمجرد الذات كقولنا الله فإنه اسم للذات على الصحيح وكذلك إن اختار صاحب الكشاف أنه اسم للذات من حيث هي هي وهو علم عليها واستدل على ذلك بجريان النعوت عليه فتقول الله الرحمن الرحيم وقيل هو اسم للذات مع جملة الصفات فإذا قلنا الله فقد ذكرنا جملة صفات الله تعالى وقلنا الذات الموصوفة [ ص: 57 ] بالصفات الخاصة وهذا المفهوم الإله المعبود وهو الذات الموصوفة بصفات الكمال ونعوت الجلال وهذا المعلوم هو الذي ندعي توحده وتنزهه عن الشريك والمماثلة أي هذا المجموع يستحيل أن يكون له مثل ، وقد يكون الاسم موضوعا للذات مع مفهوم زائد وجودي قائم بذات الله سبحانه وتعالى نحو قولنا عليم فإنه اسم للذات مع العلم القائم بذاته تعالى أو وجودي منفصل عن الذات نحو خالق فإنه اسم للذات مع اعتبار الخلق في التسمية وهو مفهوم وجودي منفصل عن الذات ، أو موضوعا للذات مع مفهوم عدمي نحو قدوس فإنه اسم للذات مع القدس الذي هو التطهير عن النقائص والبيت المقدس أي طهر من فيه من الأنبياء والأولياء عن المعاصي والمخالفات ، أو يكون موضوعا للذات مع نسبة وإضافة كالباقي فإنه اسم للذات مع وصف البقاء وهو نسبة بين الوجود والأزمنة فإن البقاء استمرار الوجود في الأزمنة وهو أعم من الأبدي لصدق الباقي في زمانين فأكثر وأما الأبدي فلا بد من استمراره مع جملة الأزمنة المستقبلة كما أن الأزلي هو الذي قارن وجوده جميع الأزمنة الماضية متوهمة أو محققة فهذه خمسة أقسام ثم هي تنقسم بحسب ما يجوز إطلاقه وبحسب ما لا يجوز إطلاقه إلى أربعة أقسام ، ما ورد السمع به ولا يوهم نقصا نحو العليم فيجوز إطلاقه إجماعا في مورد النص وفي غيره ، وما لم يرد السمع به وهو يوهم نقصا فيمتنع إطلاقه إجماعا نحو متواضع ودار وعلامة فإن التواضع يوهم الذلة والمهانة والدراية لا تكون إلا بعد تقدم شك كذا نقله أبو علي والعلامة من كثرت معلوماته والله تعالى كذلك غير أن هاء التأنيث توهم تأنيث المسمى والتأنيث نقص فلا يجوز إطلاق شيء من هذه الألفاظ ونحوها ألبتة
( القسم الثالث ) ما ورد السمع به وهو يوهم نقصا فيقتصر به على محله نحو ماكر ومستهزئ فإن المكر والاستهزاء في مجرى العادة سوء خلق وقد ورد السمع به في قوله تعالى { والله خير الماكرين } { الله يستهزئ بهم } والمحسن لذلك المقابلة كقوله تعالى { ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين } { قالوا إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم } فحصلت المقابلة بين المكرين والاستهزاءين ن فكان ذلك حسنا لأنه اللائق بفصاحة القرآن وبلاغته فيقتصر بمثل هذه الألفاظ على موارد السمع ولا يذكر في غير هذه التلاوة فلا نقول اللهم امكر بفلان ولا مكر الله به ولا اللهم استهزئ بفلان ولا استهزأ الله به وكذلك بقية هذا الباب فهذه ثلاثة أقسام لم أعلم فيها خلافا وحكي في هذه الأحكام الإجماع
( القسم الرابع ) ما لم يرد السمع به وهو غير موهم فلا يجوز إطلاقه عند وهو مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري وجمهور الفقهاء ويجوز إطلاقه عند مالك نحو القاضي أبي بكر الباقلاني قولان ومدرك الخلاف هل يلاحظ انتفاء المانع [ ص: 58 ] وهو الإيهام ولم يوجد فيجوز أو يقول الأصل في أسماء الله تعالى المنع إلا ما ورد السمع به ولم يرد السمع فيمتنع وهو الصحيح عند العلماء فإن مخاطبة أدنى الملوك تفتقر إلى معرفة ما أذنوا فيه من تسميتهم ومعاملتهم حتى يعلم إذنهم في ذلك فالله تعالى أولى بذلك ولأنها قاعدة الأدب والأدب مع الله تعالى متعين لا سيما في مخاطباته بل ليس لأحد أن يوقع في صلاة من الصلوات ولا عبادة من العبادات إلا ما علم إذن الله تعالى فيه فمخاطبة الله تعالى وتسميته أولى بذلك وقد كان قولنا يا سيدنا هل يجوز أن ينادى الله تعالى بهذا الاسم أم لا الشيخ زكي الدين عبد العظيم المحدث رحمه الله يقول قد ورد حديث في لفظ السيد فعلى هذا يجوز إطلاقه على المذهبين إجماعا وقس على هذا المثل ما أشبهها قال الشيخ أبو الطاهر بن بشير فكل ما جاز إطلاقه جاز الحلف به وأوجب الكفارة ، وما لا يجوز إطلاقه لا يجوز الحلف به ولا يوجب الحلف به كفارة فتنزل الأقسام الأربعة المتقدمة على هذه الفتيا وها هنا ثلاث مسائل ( المسألة الأولى )
قال أصحابنا من لزمته الكفارة وقال الشافعية والحنابلة أسماء الله تعالى قسمان منها ما هو مختص به تعالى فهو صريح في الحلف كقولنا والله والرحمن فهذا ينعقد به اليمين بغير نية ومنها ما لا يختص به تعالى كالحكيم والعزيز والرشيد والقادر والمريد والعالم فهي كنايات لا تكون يمينا إلا بالنية لأجل التردد بين الموجب وغير الموجب وهذا التردد أجمعنا عليه في الطلاق وغيره وأن التردد لا ينصرف للطلاق ولا لمعنى يقع التردد فيه إلا بالنية فكذلك ها هنا ووجه التردد في هذه الأسماء المذكورة بين إرادة الله تعالى بها وبين المخلوق واضح وأن البشر يسمى بهذه الأسماء حقيقة وأن هذا اللفظ يطلق على الموضعين بالتواطؤ ولا يتعين اللفظ المتواطئ إلا بالنية وكفى بهذا في بيان التردد والاحتياج للنية وهذا كلام حسن قوي معتبر في كثير من أبواب الفقه كالظهار والعتق وغيرهما ولنا عنه جواب حسن . حلف باسم من أسماء الله تعالى التي يجوز إطلاقها عليه تعالى وحنث
وهو أن القاعدة أن الألفاظ المفردة تبقى على معناها اللغوي وينقل أهل العرف المركب من المفردين لبعض أنواع ذلك الجنس كما قلنا في لفظ الرءوس تصدق على رءوس جميع الحيوانات ولفظ الأكل يصدق على كل فرد من أفراد الأكل في أي مأكول كان وإذا ركبنا هاتين اللفظتين فقلنا والله لا أكلت رءوسا أو أكلت رءوسا لا يفهم أحد إلا رءوس الأنعام دون غيرها بسبب أن أهل العرف نقلوا هذا المركب لهذه الرءوس الخاصة دون بقية الرءوس فكذلك لفظ العليم والقادر والمريد يصدق على كل عالم وقادر ومريد ومع ذلك فقد نقل أهل العرف قولنا : وحق العليم وغير ذلك من الأسماء مع الحالف إلى خصوص أسماء الله تعالى فهو من المركبات المنقولة فلا يفهم أحد عند سماعه الحلف بهذه الأسماء إلا أسماء الله تعالى خاصة وإذا صارت [ ص: 59 ] الكناية منقولة في العرف إلى معنى آخر صارت صريحة فيه فلذلك ألحقنا كنايات كثيرة في باب الطلاق فكذلك بصريحه لما اشتهرت في الطلاق بسبب نقل العرف أياها للطلاق فكذلك ها هنا .
وهذا الجواب حسن من حيث الجملة غير أنه لا يطرد في جميع الأسماء وإنما يستقيم في الأسماء التي جرت العادة بالحلف بها فينفي النقل العرفي الاحتمال اللغوي وأما ما لم تجر العادة بالحلف به كالحكيم والرشيد ونحوهما فلعل كثيرا من الناس لا يعلمها أسماء لله تعالى فلم يشتهر الحلف بها ولم أعلم أني رأيت من أسماء الله تعالى الرشيد إلا في الترمذي حيث عدد أسماء الله الحسنى مائة إلا واحدا وأصحابنا عمموا الحكم في الجميع ولم يفصلوا وهو مشكل ولا يمكن أن يقال إن عادة المسلمين لا يحلفون بغير الله تعالى وأسمائه فتنصرف جميع الأسماء لله تعالى بقرينة الحلف لأنا نقول إنا نجدهم يحلفون بآبائهم وملوكهم ويقولون ونعمة السلطان وحياتك يا زيد ولعمري لقد قام زيد فيحلف بعمره وحياة مخاطبه طول النهار فليس ظاهر حالهم الانضباط ولا حصل في الأسماء القليلة الاستعمال عرف ولا نقل يعتمد عليه فيستصحب فيها حكم اللغة وأن اللفظ صالح للقديم هذا هو الفقه ( المسألة الثانية )
قال صاحب الخصال الأندلسي يجوز الحلف ويوجب الكفارة وهذه المسألة فيها غور بعيد بسبب أن الاسم ها هنا إن أريد به المسمى استقام الحكم وإن لم يرد به المسمى فقد حكى قولك باسم الله لأفعلن ابن السيد البطليوسي أن العلماء اختلفوا في لفظ الاسم هل هو موضوع للقدر المشترك بين أسماء الذوات فلا يتناول إلا لفظا هو اسم أو وضع في لغة العرب للقدر المشترك بين المسميات فلا يتناول إلا مسمى قال وهذا هو تحقيق خلاف العلماء في أن الاسم هو المسمى أم لا وأن الخلاف إنما هو في لفظ " اسم " الذي هو ألف سين ميم وأما لفظ نار وذهب فلا يصح أن يقول عاقل إن لفظ نار هو عين النار حتى يحترق فم من نطق بهذا اللفظ ولا لفظ ذهب هو عين الذهب المعدني حتى يحصل الذهب المعدني في فم من نطق بلفظ الذهب وإنما الخلاف في لفظ الاسم خاصة وإذا فرعنا على هذا وقلنا الاسم موضوع للقدر المشترك بين الأسماء وأن مسماه لفظ حينئذ فينبغي أن لا تلزم به كفارة ولا يجوز الحلف به كما لو قلنا ورزق الله وعطاء الله فإن إضافة المحدث إلى الله تعالى لا تصيره مما يجوز الحلف به ولا يوجب الكفارة كذلك إذا أضيف الاسم إلى الله تعالى يكون على هذا التقدير إضافة لفظ مخلوق لله عز وجل فلا يوجب كفارة .
وإن قلنا هو موضوع للقدر المشترك بين المسميات والقاعدة أن الدال على الأعم غير دال على الأخص فاللفظ الدال على القدر المشترك بين جميع المسميات لا يكون [ ص: 60 ] دالا على خصوص واجب الوجود سبحانه وتعالى وما لا يكون دالا عليه لغة لا ينصرف إليه إلا بنية أو عرف ناقل ولا واحد منهما فلا تجب الكفارة ولا يتعين صرف اللفظ لله تعالى فهذا تحرير هذه المسألة ( المسألة الثالثة )
قال اللخمي قال ابن عبد الحكم ها الله يمين توجب الكفارة مثل قوله تالله فإنه يجوز وقد نص النحاة على ذلك " فائدة " الألف واللام في أسماء الله تعالى للكمال قال حذف حرف القسم وإقامة ها التنبيه مقامه تكون لام التعريف للكمال تقول زيد الرجل تريد الكامل في الرجولية وكذلك هي في أسماء الله تعالى فإذا قلت الرحمن أي الكامل في معنى الرحمة أو العليم أي الكامل في معنى العلم وكذلك بقية الأسماء فهي لا للعموم ولا للعهد ولكن للكمال . سيبويه