( الفرق التسعون والمائة بين قاعدة وبين قاعدة ما يدخله ربا الفضل ) ما لا يدخله ربا الفضل
والضابط عندنا له هو الفرق بين القاعدتين الاقتيات والادخار في الجنس الواحد هذا هو مذهب رحمه الله وقصره مالك أرباب الظاهر على الأشياء الستة التي جاءت في الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين { } فقالوا يحرم ربا الفضل في هذه الستة لهذا الحديث ويجوز في غيرها لقوله تعالى { لا تبيعوا الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد ، وإذا اختلفت الأجناس فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد وأحل الله البيع } ، وجوابهم قوله تعالى { وحرم الربا } والربا الزيادة وهذه زيادة ، وقال وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ابن عباس وغيره لا يحرم ربا الفضل لقوله عليه السلام [ ص: 260 ] { كزيد بن أرقم } وهذه صيغة حصر تقتضي انحصار الربا المحرم في النسيئة فلا يحرم الفضل وجوابهم القول بالموجب لما روي أنه عليه السلام { إنما الربا في النسيئة } فسمع الجواب دون السؤال ، ولو لم يثبت هذا فالقاعدة في أصول الفقه أن العام في الأشخاص مطلق الأزمنة والأحوال والبقاع والمتعلقات ، وهذا النص عام في أفراد الربا مطلق فيما يقع فيه فيحمل على اختلاف الجنس جمعا بين الأدلة والمطلق إذا عمل به في صورة سقط الاستدلال به فيما عدا . سئل عن مبادلة الذهب بالفضة والقمح بالشعير فقال إنما الربا في النسيئة ولا يحرم ما ذكرتم إلا أن يتأخر
وقال الجنس الواحد هو الضابط والعلة في منع الربا فلا يجوز التفاضل في جنس على الإطلاق كان طعاما أو غيره لذكره عليه السلام أجناسا لا تجمعها علة واحدة لم تبق إلا الجنسية ؛ ولأن المعاوضة تقتضي المقابلة وفي الجنس الواحد يكون الزائد لا مقابل له فلم يتحقق موجب العقد ، والقاعدة أن كل عقد لا يفيد مقصوده يبطل وجوابه ما في الصحيحين { ابن سيرين } ولقضائه صلى الله عليه وسلم على أشياء مختلفة الأسماء فلو كان المراد الجنسية لقال صلى الله عليه وسلم لا تبيعوا جنسا واحدا بجنسه إلا مثلا بمثل ؛ لأنه اللائق بفصاحته صلى الله عليه وسلم والمعاوضة تتبع غرض المتعاقدين فقد يقصد جعل الجملة قبالة الجملة فلا يخرج شيء ، وقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هاجر إليه عبد فاشتراه بعبدين من سيده رضي الله عنه ربيعة أن يكون مما تجب فيه الزكاة فلا يباع بعير ببعير ويرد عليه ورود النص في الملح ، وليس بزكوي وخصصه الضابط لربا الفضل رحمه الله بما يكال أو يوزن من الطعام والشراب من الجنس الواحد ؛ لأن ذلك مشترك بين الستة الواردة في الحديث . الشافعي
والحكم المشترك تكون علته مشتركة ورجع إلى العلة الطعم في الجنس الواحد إن كان قوتا وإداما أو فاكهة أو دواء الآدميين دون ما تأكله البهائم فإن أكله الآدميون وغيرهم روعي الأغلب فإن لم يكن طعاما للآدميين كالورد والرياحين ونوى التمر لم يدخله الربا لقوله صلى الله عليه وسلم { } رتب منع التفاضل على اسم الطعام وترتيب الحكم على الوصف ، يقتضي علية ذلك الوصف لذلك الحكم نحو { الطعام بالطعام مثلا بمثل : الزانية والزاني فاجلدوا } { والسارق والسارقة فاقطعوا } وسيأتي جوابه وخصصه [ ص: 261 ] بما يكال أو يوزن من الجنس الواحد ، ولو كان ترابا ؛ لأن المذكورات في الحديث الأطعمة مكيلات ، ولقوله عليه الصلاة والسلام في بعض الطرق ، وكذا كل ما يكال أو يوزن قال أبو حنيفة سند في الطراز قال وجماعة العلة كونه مقتاتا فيمتنع الربا في الملح والبيض دون الفواكه اليابسة ؛ لأنها لا تقتات وهو جار على ظاهر المذهب ، وعن القاضي إسماعيل رحمه الله الادخار مع الاقتيات فلا ربا في الفواكه اليابسة كاللوز والجوز ولا في البيض ؛ لأنه لا يدخر قال : وقال مالك هو أجري على المذهب ، وعن الباجي في الموطإ أن العلة الأكل والادخار مع اتحاد الجنس فيجري مالك وعلى هذه يختلف فيما يقل ادخاره كالخوخ والرمان فأجرى الربا في الفواكه اليابسة ابن نافع فيه الربا نظرا لجنسه وأجازه في الكتاب نظرا للغالب وعلى هذه المذاهب الثلاث فلا يجري الخلاف في التفاح والرمان والكمثرى والخوخ الرطب إنما الخلاف في يابسها ولأصحابنا في الملح ثلاثة مذاهب منهم من علله بالاقتيات وصلاح القوت فألحقوا به التوابل . مالك
وقيل بالأكل والادخار ، وقيل بكونه إداما فلا يلحق به الفلفل ونحوه ، وقال أبو الطاهر ، وعن عبد الملك التعليل بالمالية ، وقيل الاقتيات والادخار مع كونه غالب العيش وفي الجواهر المعلول عليه في المذهب مجموع الاقتيات والادخار وألزمنا الشافعية على تعليل الملح بإصلاح الأقوات جريان الربا في الأقاوية ، والأحطاب والنيران ؛ لأنها مصلحة للأقوات وجوابه أنا لا نقتصر على مطلق الإصلاح ، بل نقول هو قوت مصلح وهذه ليست قوتا ونلزم الربا في الأقاوية فهذه اثنا عشر مذهبا منها عشرة في منع الربا مطلقا إلا في النساء منعه في النساء مع المنصوص عليه فهذان مذهبان لا تعليل فيهما والعشرة في التعليل هي تعليله بالجنس تعليله بكونه زكويا تعليله بكونه مكيلا أو موزونا تعليله بكونه مكيلا تعليله بكونه مطعوما تعليله بكونه مقتاتا تعليله بكونه مقتاتا مدخرا تعليله بالأكل والادخار مع اتحاد الجنس تعليله بالمالية تعليله بالاقتيات والادخار مع الغلبة ومن الأصحاب من علل البر بالقوت غالبا والشعير بالقوت عند الضرورة والتمر بالتفكه غالبا والملح بإصلاح القوت فيحصل في المذهب قولان هل العلة في الجميع واحدة أو متعددة ، واختلف الأصحاب أيضا هل اتحاد الجنس جزء علة للتوقف عليه أو شرط في اعتبار العلة لعروه عن المناسبة وهو الصحيح [ ص: 262 ] حجتنا على الفرق كلها أنه صلى الله عليه وسلم جعل التحريم أصلا في الحديث إلا ما استثناه من المماثلة . علة الربا
وليس المراد المماثلة في الجنس لاختلاف صفاته فتعين المقدار وهذه الأربعة هي أقواتهم بالحجاز فالبر للرفاهية فلو اقتصر عليه لقيل المراد قوت الرفاهية فذكر الشعير لينبه به على قوت الشدة ، وذكر التمر لينبه به على المقتات من الحلاوات كالزيت والعسل والسكر ، وذكر الملح لينبه به على مصلح الأقوات واشتركت كلها في الاقتيات والادخار والطعم وهي صفات شرف يناسب أن لا يبدل الكثير من موصوفها بالقليل منه صونا للشريف عن الغبن فيذهب الزائد هدرا ؛ ولأن الشرف يقتضي كثرة الشروط وتمييزه عن الخسيس كتمييز النكاح عن ملك اليمين بالشروط كالولي والشهود والصداق والإعلان ، وكذلك الملوك لا تكثر الحراس إلا على الخزائن النفيسة فكلما عظم شرف الشيء عظم خطره عقلا وشرعا وعادة وجاز التفاضل في الجنسين وإهدار الزائد لمكان الحاجة في تحصيل المفقود وامتنع النساء إظهارا لشرف الطعام ، فيكون للطعام مزية على غيره وللمقتات منه شرف على غير المقتات لعظم مصلحته في نوع الإنسان وغيره من الحيوان وهو سبب بقاء الأبنية الشريفة لطاعة الله مع طول الأزمان فناسب جميع ذلك الصون عن الضياع بأن لا يبدل كثيرها تقليلها فيضيع الزائد أيضا من غير عوض .
وهذا أيضا ؛ لأنهما رءوس الأموال وقيم المتلفات ، وقيم المتلفات شرفا بذلك عن بذل الكثير في القليل فيضيع الزائد فشدد فيهما فشرط التساوي والحضور والتناجز في القبض ، وتعليل سبب تحريم الربا في النقدين بالكيل طردي فيقدم عليه المناسب وتعليل أبي حنيفة بالطعم داخل فيما ذكرناه فهو مهمل لبعض المناسب بخلافنا ، بل أهمل أفضل الأوصاف وهو الاقتيات ولم يعتبره إلا الشافعي رضي الله عنه وهذه القاعدة تعرف بتخريج المناط وهي أن الحكم إذا ورد مقرونا بأوصاف فإن كانت كلها مناسبة كان الجميع علة أو بعضها كان علة واحدة فأسعد الناس أرجحهم تخريجا ، وعلة مالكا أرجح لسبعة أوجه ، أحدها أنها صفة ثابتة والكيل عارض وأنها صفة مختصة والكيل وغيره غير مختص وأنها المقصودة عادة من هذه الأعيان وغيرها ليس كذلك وأنها جامعة للأوصاف المناسبة كلها وأنها سابقة على الحكم ، والكيل لاحق مخلص من الربا كالقبض ؛ لأنه علته وأنها جامعة للقليل والكثير كما في النقدين ، [ ص: 263 ] والكيل يمتنع في التمرة والتمرتين ونحوهما وأنها تختص بحالة الربا دون حالة كون الحبوب حشيشا ابتداء ورمادا انتهاء ، والكيل غير مختص . مالك