[ ص: 86 ] المسألة الأولى قال الله تعالى حكاية عن
عيسى عليه السلام : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116إن كنت قلته فقد علمته } فجعل الشرط وجزاءه ماضيين .
والجواب عنه من وجهين : أحدهما أنه قد قال بعض المفسرين : إن ذلك وقع منه في الدنيا وأن سؤال الله تعالى له قبل أن يدعي ذلك عليه فيكون التقدير إن أكن أقله فأنت تعلمه فهما مستقبلان لا ماضيان وقيل : سؤال الله تعالى له يكون يوم القيامة وهذا القول هو المشهور فيكونان مستقبلين لا ماضيين قال
ابن السراج : يجب تأويلهما بفعلين مستقبلين تقديرهما أن يثبت في المستقبل أني قلته في الماضي يثبت أنك تعلم ذلك وكل شيء تقرر في الماضي كان ثبوته في المستقبل معلوما فيحسن التعليق عليه ويؤكد القول الأول أن السؤال كان في الدنيا من الآية نفسها قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم } فصيغة إذ للماضي وقال للماضي فإذا أخبر الله
محمدا صلى الله عليه وسلم بهذين اللفظين الماضيين دل ذلك على تقدم هذا القول في زمن
عيسى عليه السلام في الدنيا والقول الثاني يتأول هذين اللفظين بالمستقبل ويقول : لما كان خبر الله تعالى واقعا في المستقبل قطعا صار من جهة تحققه يشبه الماضي فعبر عنه بلفظ الماضي كما قاله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أتى أمر الله } يريد يوم القيامة وتقديره يأتي أمر الله تعالى فائدة جميلة جليلة إذا تقرر أن
nindex.php?page=treesubj&link=20612الشرط وجزاءه لا يتعلقان إلا بمستقبل معدوم فاعلم أن ذلك في لسان
العرب عشر حقائق : الشرط وجزاؤه والأمر والنهي .
والدعاء والوعد والوعيد والترجي والتمني والإباحة فتأمل هذه العشرة لا تجد منها واحدا يتصور في ماض ولا حاضر سؤال كان يورده
الشيخ عز الدين بن عبد السلام قدس الله روحه في {
قوله صلى الله عليه وسلم لما قيل له : كيف نصلي عليك فقال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد } فكان يقول : قاعدة
العرب تقتضي أن المشبه بالشيء يكون أخفض رتبة منه وأعظم أحواله أن يكون مثله وها هنا شبهنا عطية رسول الله صلى الله عليه وسلم بعطية
إبراهيم عليه السلام فإن صلاة الله سبحانه
[ ص: 87 ] معناه الإحسان فإن الدعاء الذي هو حقيقة اللفظ محال فتعين حمله على مجازه وهو الإحسان لأن الدعاء إحسان فيكون من مجاز التشبيه أو لأن الإحسان متعلق الدعاء ومطلوبه فيكون من باب التعبير بالمتعلق عن المتعلق فإذا تقرر هذا فنحن نعلم أن
nindex.php?page=treesubj&link=28753_29638إحسان الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من إحسانه لإبراهيم عليه السلام وتشبيهه به يقتضي خلاف ذلك فما وجه التشبيه وكان يجيب رحمه الله تعالى عن هذا السؤال فيقول : التشبيه وقع بين المجموعين مجموع المعطى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولآله ومجموع المعطى
لإبراهيم عليه السلام وآله وآل
إبراهيم عليه السلام أنبياء وآل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسوا بأنبياء فعطية
إبراهيم عليه السلام ذلك أعني المجموع يقسم عليه وعلى آله ويقسم المجموع المعطى لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليه وعلى آله فتكون الأجزاء الحاصلة لآل
إبراهيم عليه السلام أعظم من الأجزاء الحاصلة لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكون الفاضل لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من الفاضل
لإبراهيم عليه السلام فيكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل من
إبراهيم وهو المطلوب .
ويندفع السؤال وكنا نستعظم هذا الجواب ونستحسنه ثم بعد وفاته رحمة الله عليه لما ظهرت لي هذه القاعدة وهي أن هذه ( العشرة حقائق ) في لسان
العرب لا تتعلق إلا بالمعدوم المستقبل ظهر أن الجواب يحسن من هذه القاعدة وأن جواب
الشيخ رحمه الله مستدرك وتقريره أن
nindex.php?page=treesubj&link=19733الدعاء لا يتعلق إلا بمعدوم مستقبل كسائر أنواع الطلب وقولنا اللهم صل دعاء فلا يتعلق إلا بعطية لم تعط لرسول الله صلى الله عليه وسلم معدومة فإن طلب تحصيل الحاصل محال فالحاصل له عليه الصلاة والسلام لم يتعلق به طلب ألبتة لكونه موجودا حاصلا وبهذا الموجود الحاصل له عليه السلام حصل التفضيل له عليه السلام على
إبراهيم عليه السلام فيكون الواقع قبل دعائنا مواهب ربانية لرسول الله صلى الله عليه وسلم من خير الدنيا والآخرة لم يدركها أحد من الأنبياء ولم يصل إليها ونحن نطلب له عليه السلام زيادة على ذلك تكون تلك الزيادة مثل المواهب الحاصلة
لإبراهيم عليه السلام فنحن لو تخيلناها أقل المواهب الحاصلة
لإبراهيم عليه السلام لم يلزم من ذلك التفضيل له على رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومثال ذلك من العادات أن يعطي الملك لرجل ألف دينار ويعطي لآخر مائة ثم نطلب نحن من الملك أن يزيد صاحب الألف على الألف مثل ما أعطى صاحب المائة فإذا فعل ذلك كان الحاصل مع صاحب الألف ألفا ومائة ومع صاحب المائة مائة ومعلوم أن ذلك لا يخل بعطية صاحب الألف في ألفه بل المائة زيادة على ما وقع به التفضيل أولا كذلك ها هنا فهذا جواب حسن سديد بناء على القاعدة في أن الدعاء لا يتعلق إلا بمستقبل معدوم ولا يحتاج إلى ذلك التعب والتفصيل الذي ذكره الشيخ مع أنه لا يصح فإنه جعل متعلق الطلب جميع ما حصل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيلزم تعلق الطلب بالواقع وهو
[ ص: 88 ] محال إذ يلزم عليه تحصيل الحاصل وهو غير جائز .
والجواب الحق هو هذا الثاني والعجب أنا طول أعمارنا نقول : ما أمرنا به وهو اللهم صل على
محمد وصلى الله على
محمد من غير تشبيه
بإبراهيم ولا بغيره ومعلوم من قواعد
العرب أن الفعل في سياق الإثبات لا يتناول إلا أصل المعنى وأنه مطلق لا عام ومن المعلوم أن أصل الإحسان ليس في الرتبة مثل الإحسان المشبه بإحسانه تعالى
لإبراهيم عليه السلام فإذا كنا نقتصر على مطلق الإحسان من غير إشكال ويكون ذلك حسنا من غير خلل فأولى أن يحسن منا طلب الإحسان المشبه بإحسان حصل لعظيم من العظماء فإنه أضعاف أصل الإحسان وما المحسن لطلبنا مطلق الإحسان من غير تشبيه إلا أنا نطلب الزيادة التي لم تكن أعطيت قبل دعائنا وطلب الزيادة على الإعطاء العظيم لا يخل بصاحب العطية العظيمة الذي نحن نسأل له الزيادة والعجب من تنبه الشيخ لإيراد السؤال في الحديث المروي ولم يدرك أنه يرد في الصلاة المطلقة وهي أولى بإيراد السؤال فيها إن كان صحيحا فتأمله وتأمل ما ذكرته أنا فهو حسن إن شاء الله تعالى .
[ ص: 86 ] الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116إنْ كُنْت قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ } فَجَعَلَ الشَّرْطَ وَجَزَاءَهُ مَاضِيَيْنِ .
وَالْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَدْ قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : إنَّ ذَلِكَ وَقَعَ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَأَنَّ سُؤَالَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ قَبْلَ أَنْ يَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ إنْ أَكُنْ أَقُلْهُ فَأَنْتَ تَعْلَمُهُ فَهُمَا مُسْتَقْبَلَانِ لَا مَاضِيَانِ وَقِيلَ : سُؤَالُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ فَيَكُونَانِ مُسْتَقْبَلَيْنِ لَا مَاضِيَيْنِ قَالَ
ابْنُ السَّرَّاجِ : يَجِبُ تَأْوِيلُهُمَا بِفِعْلَيْنِ مُسْتَقْبَلَيْنِ تَقْدِيرُهُمَا أَنْ يَثْبُتَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَنِّي قُلْتُهُ فِي الْمَاضِي يَثْبُتُ أَنَّك تَعْلَمُ ذَلِكَ وَكُلُّ شَيْءٍ تَقَرَّرَ فِي الْمَاضِي كَانَ ثُبُوتُهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ مَعْلُومًا فَيَحْسُنُ التَّعْلِيقُ عَلَيْهِ وَيُؤَكِّدُ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ أَنَّ السُّؤَالَ كَانَ فِي الدُّنْيَا مِنْ الْآيَةِ نَفْسِهَا قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=116وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ } فَصِيغَةُ إذْ لِلْمَاضِي وَقَالَ لِلْمَاضِي فَإِذَا أَخْبَرَ اللَّهُ
مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ الْمَاضِيَيْنِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَقَدُّمِ هَذَا الْقَوْلِ فِي زَمَنِ
عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الدُّنْيَا وَالْقَوْلُ الثَّانِي يَتَأَوَّلُ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ بِالْمُسْتَقْبَلِ وَيَقُولُ : لَمَّا كَانَ خَبَرُ اللَّهِ تَعَالَى وَاقِعًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ قَطْعًا صَارَ مِنْ جِهَةِ تَحَقُّقِهِ يُشْبِهُ الْمَاضِيَ فَعَبَّرَ عَنْهُ بِلَفْظِ الْمَاضِي كَمَا قَالَهُ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=1أَتَى أَمْرُ اللَّهِ } يُرِيدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَقْدِيرُهُ يَأْتِي أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَائِدَةٌ جَمِيلَةٌ جَلِيلَةٌ إذَا تَقَرَّرَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=20612الشَّرْطَ وَجَزَاءَهُ لَا يَتَعَلَّقَانِ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ مَعْدُومٍ فَاعْلَمْ أَنَّ ذَلِكَ فِي لِسَانِ
الْعَرَبِ عَشْرُ حَقَائِقَ : الشَّرْطُ وَجَزَاؤُهُ وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ .
وَالدُّعَاءُ وَالْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَالتَّرَجِّي وَالتَّمَنِّي وَالْإِبَاحَةُ فَتَأَمَّلْ هَذِهِ الْعَشَرَةَ لَا تَجِدْ مِنْهَا وَاحِدًا يُتَصَوَّرُ فِي مَاضٍ وَلَا حَاضِرٍ سُؤَالٌ كَانَ يُورِدُهُ
الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ فِي {
قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قِيلَ لَهُ : كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْك فَقَالَ : قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ } فَكَانَ يَقُولُ : قَاعِدَةُ
الْعَرَبِ تَقْتَضِي أَنَّ الْمُشَبَّهَ بِالشَّيْءِ يَكُونُ أَخْفَضَ رُتْبَةً مِنْهُ وَأَعْظَمُ أَحْوَالِهِ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ وَهَا هُنَا شَبَّهْنَا عَطِيَّةَ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَطِيَّةِ
إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّ صَلَاةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ
[ ص: 87 ] مَعْنَاهُ الْإِحْسَانُ فَإِنَّ الدُّعَاءَ الَّذِي هُوَ حَقِيقَةُ اللَّفْظِ مُحَالٌ فَتَعَيَّنَ حَمْلُهُ عَلَى مَجَازِهِ وَهُوَ الْإِحْسَانُ لِأَنَّ الدُّعَاءَ إحْسَانٌ فَيَكُونُ مِنْ مَجَازِ التَّشْبِيهِ أَوْ لِأَنَّ الْإِحْسَانَ مُتَعَلِّقُ الدُّعَاءِ وَمَطْلُوبُهُ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ التَّعْبِيرِ بِالْمُتَعَلِّقِ عَنْ الْمُتَعَلَّقِ فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28753_29638إحْسَانَ اللَّهِ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ مِنْ إحْسَانِهِ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَتَشْبِيهُهُ بِهِ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ فَمَا وَجْهُ التَّشْبِيهِ وَكَانَ يُجِيبُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ هَذَا السُّؤَالِ فَيَقُولُ : التَّشْبِيهُ وَقَعَ بَيْنَ الْمَجْمُوعَيْنِ مَجْمُوعِ الْمُعْطَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِآلِهِ وَمَجْمُوعِ الْمُعْطَى
لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَآلِهِ وَآلُ
إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنْبِيَاءٌ وَآلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ فَعَطِيَّةُ
إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ذَلِكَ أَعْنِي الْمَجْمُوعَ يُقْسَمُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَيُقْسَمُ الْمَجْمُوعُ الْمُعْطَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ فَتَكُونُ الْأَجْزَاءُ الْحَاصِلَةُ لِآلِ
إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَعْظَمَ مِنْ الْأَجْزَاءِ الْحَاصِلَةِ لِآلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ الْفَاضِلُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمَ مِنْ الْفَاضِلِ
لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلَ مِنْ
إبْرَاهِيمَ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ .
وَيَنْدَفِعُ السُّؤَالُ وَكُنَّا نَسْتَعْظِمُ هَذَا الْجَوَابَ وَنَسْتَحْسِنُهُ ثُمَّ بَعْدَ وَفَاتِهِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ لَمَّا ظَهَرَتْ لِي هَذِهِ الْقَاعِدَةُ وَهِيَ أَنَّ هَذِهِ ( الْعَشَرَةُ حَقَائِقَ ) فِي لِسَانِ
الْعَرَبِ لَا تَتَعَلَّقُ إلَّا بِالْمَعْدُومِ الْمُسْتَقْبَلِ ظَهَرَ أَنَّ الْجَوَابَ يَحْسُنُ مِنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ وَأَنَّ جَوَابَ
الشَّيْخِ رَحِمَهُ اللَّهُ مُسْتَدْرَكٌ وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19733الدُّعَاءَ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِمَعْدُومٍ مُسْتَقْبَلٍ كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الطَّلَبِ وَقَوْلُنَا اللَّهُمَّ صَلِّ دُعَاءٌ فَلَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِعَطِيَّةٍ لَمْ تُعْطَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْدُومَةٍ فَإِنَّ طَلَبَ تَحْصِيلِ الْحَاصِلِ مُحَالٌ فَالْحَاصِلُ لَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ طَلَبٌ أَلْبَتَّةَ لِكَوْنِهِ مَوْجُودًا حَاصِلًا وَبِهَذَا الْمَوْجُودُ الْحَاصِلُ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَصَلَ التَّفْضِيلُ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى
إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَيَكُونُ الْوَاقِعُ قَبْلَ دُعَائِنَا مَوَاهِبَ رَبَّانِيَّةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمْ يُدْرِكْهَا أَحَدٌ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَلَمْ يَصِلْ إلَيْهَا وَنَحْنُ نَطْلُبُ لَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ تَكُونُ تِلْكَ الزِّيَادَةُ مِثْلَ الْمَوَاهِبِ الْحَاصِلَةِ
لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَنَحْنُ لَوْ تَخَيَّلْنَاهَا أَقَلَّ الْمَوَاهِبِ الْحَاصِلَةِ
لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَلْزَمْ مِنْ ذَلِكَ التَّفْضِيلِ لَهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَمِثَالُ ذَلِكَ مِنْ الْعَادَاتِ أَنْ يُعْطِيَ الْمَلِكُ لِرَجُلٍ أَلْفَ دِينَارٍ وَيُعْطِيَ لِآخَرَ مِائَةً ثُمَّ نَطْلُبُ نَحْنُ مِنْ الْمَلِكِ أَنْ يَزِيدَ صَاحِبَ الْأَلْفِ عَلَى الْأَلْفِ مِثْلَ مَا أَعْطَى صَاحِبَ الْمِائَةِ فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ الْحَاصِلُ مَعَ صَاحِبِ الْأَلْفِ أَلْفًا وَمِائَةً وَمَعَ صَاحِبِ الْمِائَةِ مِائَةً وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُخِلُّ بِعَطِيَّةِ صَاحِبِ الْأَلْفِ فِي أَلْفِهِ بَلْ الْمِائَةُ زِيَادَةٌ عَلَى مَا وَقَعَ بِهِ التَّفْضِيلُ أَوَّلًا كَذَلِكَ هَا هُنَا فَهَذَا جَوَابٌ حَسَنٌ سَدِيدٌ بِنَاءً عَلَى الْقَاعِدَةِ فِي أَنَّ الدُّعَاءَ لَا يَتَعَلَّقُ إلَّا بِمُسْتَقْبَلٍ مَعْدُومٍ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ التَّعَبِ وَالتَّفْصِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فَإِنَّهُ جَعَلَ مُتَعَلِّقَ الطَّلَبِ جَمِيعَ مَا حَصَلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَلْزَمُ تَعَلُّقُ الطَّلَبِ بِالْوَاقِعِ وَهُوَ
[ ص: 88 ] مُحَالٌ إذْ يَلْزَمُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ الْحَاصِلِ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ .
وَالْجَوَابُ الْحَقُّ هُوَ هَذَا الثَّانِي وَالْعَجَبُ أَنَّا طُولَ أَعْمَارِنَا نَقُولُ : مَا أُمِرْنَا بِهِ وَهُوَ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى
مُحَمَّدٍ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى
مُحَمَّدٍ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ
بِإِبْرَاهِيمَ وَلَا بِغَيْرِهِ وَمَعْلُومٌ مِنْ قَوَاعِدِ
الْعَرَبِ أَنَّ الْفِعْلَ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا أَصْلَ الْمُعَنَّى وَأَنَّهُ مُطْلَقٌ لَا عَامٌّ وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ أَصْلَ الْإِحْسَانِ لَيْسَ فِي الرُّتْبَةِ مِثْلَ الْإِحْسَانِ الْمُشَبَّهِ بِإِحْسَانِهِ تَعَالَى
لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِذَا كُنَّا نَقْتَصِرُ عَلَى مُطْلَقِ الْإِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ إشْكَالٍ وَيَكُونُ ذَلِكَ حَسَنًا مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ فَأَوْلَى أَنْ يَحْسُنَ مِنَّا طَلَبُ الْإِحْسَانِ الْمُشَبَّهِ بِإِحْسَانٍ حَصَلَ لِعَظِيمٍ مِنْ الْعُظَمَاءِ فَإِنَّهُ أَضْعَافُ أَصْلِ الْإِحْسَانِ وَمَا الْمُحْسِنُ لِطَلَبِنَا مُطْلَقُ الْإِحْسَانِ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ إلَّا أَنَّا نَطْلُبُ الزِّيَادَةَ الَّتِي لَمْ تَكُنْ أُعْطِيت قَبْلَ دُعَائِنَا وَطَلَبُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْإِعْطَاءِ الْعَظِيمِ لَا يُخِلُّ بِصَاحِبِ الْعَطِيَّةِ الْعَظِيمَةِ الَّذِي نَحْنُ نَسْأَلُ لَهُ الزِّيَادَةَ وَالْعَجَبُ مِنْ تَنَبُّهِ الشَّيْخِ لِإِيرَادِ السُّؤَالِ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ وَلَمْ يُدْرِكْ أَنَّهُ يَرِدُ فِي الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ أَوْلَى بِإِيرَادِ السُّؤَالِ فِيهَا إنْ كَانَ صَحِيحًا فَتَأَمَّلْهُ وَتَأَمَّلْ مَا ذَكَرْتُهُ أَنَا فَهُوَ حَسَنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .