الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4417 (باب منه)

                                                                                                                              وهو في النووي ، في (باب فضائله ، رضي الله عنه) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص 171 - 173 ج 15 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن شريك بن أبي نمر، عن سعيد بن المسيب، أخبرني أبو موسى الأشعري أنه توضأ في بيته، ثم خرج، فقال: لألزمن رسول الله، صلى [ ص: 317 ] الله عليه وسلم، ولأكونن معه: يومي هذا. قال: فجاء المسجد، فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: خرج، وجه هاهنا. قال: فخرجت على أثره، أسأل عنه، حتى دخل بئر أريس، قال فجلست عند الباب وبابها من جريد، حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته، وتوضأ. فقمت إليه، فإذا هو قد جلس على بئر أريس وتوسط قفها وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر.

                                                                                                                              قال: فسلمت عليه، ثم انصرفت: فجلست عند الباب، فقلت: لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وسلم: اليوم. فجاء أبو بكر، فدفع الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: أبو بكر. فقلت: على رسلك، قال: ثم ذهبت، فقلت: يا رسول الله! هذا أبو بكر، يستأذن. فقال: "ائذن له وبشره بالجنة" . قال: فأقبلت، حتى قلت لأبي بكر: ادخل. ورسول الله صلى الله عليه وسلم: يبشرك بالجنة. قال: فدخل أبو بكر، فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم معه في القف- ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم وكشف عن ساقيه.

                                                                                                                              ثم رجعت فجلست وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني، فقلت: إن يرد الله بفلان -يريد أخاه- خيرا: يأت به، فإذا إنسان يحرك الباب، فقلت: من هذا؟ فقال: عمر بن الخطاب. فقلت: على رسلك. ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه، وقلت: هذا عمر، يستأذن. فقال: "ائذن له، وبشره بالجنة" . فجئت عمر [ ص: 318 ] فقلت: أذن، ويبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة قال: فدخل، فجلس: مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: في القف عن يساره، ودلى رجليه في البئر.

                                                                                                                              ثم رجعت فجلست، فقلت: إن يرد الله بفلان خيرا -يعني: أخاه يأت به؛ فجاء إنسان فحرك الباب. فقلت: من هذا؟ فقال عثمان بن عفان. فقلت: على رسلك. قال: وجئت النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرته. فقال: "ائذن له، وبشره بالجنة، مع بلوى تصيبه" . قال: فجئت، فقلت: ادخل، ويبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم: بالجنة، مع بلوى تصيبك. قال: فدخل فوجد القف قد ملئ، فجلس وجاههم، من الشق الآخر.
                                                                                                                              قال شريك: فقال سعيد بن المسيب: فأولتها قبورهم) .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن سعيد بن المسيب) ، قال : أخبرني أبو موسى الأشعري ، رضي الله عنهم : أنه توضأ في بيته ، ثم خرج ؛ فقال : لألزمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولأكون معه يومي هذا . قال : فجاء المسجد ، فسأل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ فقالوا: خرج ، وجه ههنا) المشهور في الرواية : "وجه" بتشديد الجيم . وضبطه بعضهم : بإمكانها . وحكى عياض الوجهين ، ونقل الأول عن الجمهور .

                                                                                                                              [ ص: 319 ] ورجح الثاني ، لوجود "خرج" . أي : قصد هذه الجهة .

                                                                                                                              قال : فخرجت على إثره ، أسأل عنه ، حتى دخل بئر أريس) بفتح الهمزة ، مصروف.

                                                                                                                              (قال : فجلست عند الباب ، وبابها من جريد ، حتى قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاجته ، وتوضأ . فقمت إليه ؛ فإذا هو قد جلس على بئر أريس ، وتوسط قفها) .

                                                                                                                              "القف" ، بضم القاف : هو حافة البئر . وأصله : الغليظ ، المرتفع من الأرض .

                                                                                                                              (وكشف عن ساقيه ، ودلاهما في البئر . قال : فسلمت عليه ، ثم انصرفت : فجلست عند الباب ، فقلت : لأكونن بواب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اليوم) .

                                                                                                                              يحتمل : أنه صلى الله عليه وآله وسلم : أمره أن يكون بوابا في جميع ذلك المجلس ، ليبشر هؤلاء المذكورين بالجنة .

                                                                                                                              ويحتمل : أنه أمره بحفظ الباب أولا ، إلى أن يقضي حاجته ويتوضأ ، لأنها حالة يستر فيها . ثم حفظ الباب "أبو موسى" ، من تلقاء نفسه .

                                                                                                                              (فجاء أبو بكر رضي الله عنه ؛ (فدفع الباب ، فقلت : من هذا ؟ فقال : أبو بكر . فقلت : على رسلك) بكسر الراء ، وفتحها : لغتان ، الكسر أشهر . ومعناه : تمهل ، وتأن .

                                                                                                                              [ ص: 320 ] (قال : نعم. ثم ذهبت فقلت: يا رسول الله! هذا أبو بكر يستأذن . فقال : "ائذن له ، وبشره بالجنة" . قال : فأقبلت ، حتى قلت لأبي بكر : ادخل . ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبشرك بالجنة . قال : فدخل أبو بكر ، فجلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - معه في القف - ودلى رجليه في البئر ، كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكشف عن ساقيه . ثم رجعت ، فجلست ، وقد تركت أخي يتوضأ ويلحقني . فقلت : إن يرد الله بفلان - يريد أخاه - خيرا يأت به ، فإذا إنسان يحرك الباب ، فقلت : من هذا ؟ فقال : عمر بن الخطاب . فقلت : على رسلك . ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فسلمت عليه ، وقلت : هذا عمر ، يستأذن . قال: "ائذن له ، وبشره بالجنة" . فجئت عمر رضي الله عنه، فقلت : أذن ، ويبشرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجنة . قال : فدخل ، فجلس مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : في القف ، عن يساره ، ودلى رجليه في البئر) .

                                                                                                                              هذا فعلاه للموافقة ، وليكون أبلغ في بقاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم على حالته وراحته ، بخلاف ما إذا لم يفعلاه ، فربما استحيى منهما : فرفعهما .

                                                                                                                              [ ص: 321 ] وفي هذا : دليل للغة الصحيحة ؛ أنه يجوز أن يقول : "دليت الدلو في البئر ، ودليت رجلي وغيرها فيها" . كما يقال : "أدليت" . قال تعالى : فأدلى دلوه .

                                                                                                                              ومنهم من منع الأول. وهذا الحديث يرد عليه .

                                                                                                                              (ثم رجعت ، فجلست ، فقلت : إن يرد الله بفلان خيرا - يعني أخاه - يأت به . فجاء إنسان ، فحرك الباب ، فقلت : من هذا؟ فقال : عثمان بن عفان . فقلت : على رسلك . قال : وجئت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فأخبرته ، فقال : "ائذن له ، وبشره بالجنة ، مع بلوى تصيبه") .

                                                                                                                              وفي رواية البخاري : "سكت هنية ، ثم قال : ائذن له" .

                                                                                                                              (قال : فجئت ، فقلت : ادخل. ويبشرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : بالجنة ، مع بلوى تصيبك) .

                                                                                                                              وزاد في رواية أخرى ؛ "فقال : اللهم ! صبرا . والله المستعان" .

                                                                                                                              [ ص: 322 ] (قال : فدخل، فوجد القف قد ملئ ، فجلس وجاههم) بكسر الواو ، وضمها ، أي : قبالتهم : (من الشق الآخر . قال شريك : فقال سعيد بن المسيب : فأولتها قبورهم) .

                                                                                                                              وفي رواية "فأولت ذلك قبورهم ؛ اجتمعت ههنا ، وانفرد عثمان" . يعني : أن الثلاثة دفنوا في مكان واحد ، وعثمان في مكان بائن عنهم . وهذا من باب الفراسة الصادقة . والله أعلم .

                                                                                                                              قال النووي : وفي هذا الحديث فضيلة هؤلاء الثلاثة، وأنهم من أهل الجنة . وفضيلة لأبي موسى .

                                                                                                                              وفيه : جواز الثناء على الإنسان في وجهه ، إذا أمنت عليه فتنة الإعجاب ونحوه .

                                                                                                                              وفيه : معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لإخباره بقصة عثمان ، والبلوى . وأن الثلاثة : يستمرون على الإيمان ، والهدى .

                                                                                                                              وفيه : رد على الروافض ، الذين يسبون هؤلاء الثلاثة ، ويطعنونهم ، ويصفون بألسنتهم الكذب . أبادهم الله تعالى .




                                                                                                                              الخدمات العلمية