الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4425 (باب منه)

                                                                                                                              وذكره النووي ، في (باب فضائل علي بن أبي طالب ، كرم الله وجهه) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص 179 ، 180 ج 15 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              قال الإمام مسلم : (حدثني زهير بن حرب، وشجاع بن مخلد "جميعا عن ابن علية" قال زهير: حدثنا إسمعيل بن إبراهيم، حدثني [ ص: 374 ] أبو حيان حدثني يزيد بن حيان، قال: انطلقت أنا، وحصين بن سبرة، وعمر بن مسلم : إلى زيد بن أرقم. .

                                                                                                                              فلما جلسنا إليه، قال له حصين: لقد لقيت، يا زيد خيرا كثيرا. .

                                                                                                                              رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت خلفه .لقد لقيت يا زيد! خيرا كثيرا. حدثنا يا زيد! ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                              قال: يا ابن أخي! والله! لقد كبرت سني، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فما حدثتكم فاقبلوا. وما لا، فلا تكلفونيه.

                                                                                                                              ثم قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم -يوما- فينا خطيبا، بماء يدعى: "خما" -بين مكة والمدينة- فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: "أما بعد! ألا أيها الناس! فإنما أنا بشر، يوشك: أن يأتي رسول ربي، فأجيب. وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما: كتاب الله، فيه الهدى والنور. فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به" .

                                                                                                                              فحث على كتاب الله، ورغب فيه، ثم قال: "وأهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي. أذكركم الله في أهل بيتي" .

                                                                                                                              فقال له حصين: ومن أهل بيته؟ يا زيد! أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال: نساؤه من أهل بيته. ولكن أهل بيته: من حرم الصدقة بعده.

                                                                                                                              قال: ومن هم؟ قال: هم آل علي، وآل عقيل، وآل جعفر، وآل عباس. .

                                                                                                                              [ ص: 375 ] قال: كل هؤلاء حرم الصدقة؟ قال: نعم)
                                                                                                                              .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن يزيد بن حيان ، قال : انطلقت أنا وحصين بن سبرة ، وعمر بن مسلم : إلى زيد بن أرقم . فلما جلسنا إليه ، قال له حصين : لقد لقيت يا زيد! خيرا كثيرا . رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ وسمعت حديثه، وغزوت معه، وصليت خلفه . لقد لقيت يا زيد ! خيرا كثيرا . حدثنا يا زيد! ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . قال : يا ابن أخي ! والله ! لقد كبرت سني ، وقدم عهدي ، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . فما حدثتكم فاقبلوه) ، وما لا ، فلا تكلفونيه . ثم قال : قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - يوما - فينا خطيبا ، بماء يدعى : "خما" بين مكة والمدينة.

                                                                                                                              "الخم" : بضم الخاء المعجمة ، وتشديد الميم : هو اسم لغيضة ، على ثلاثة أميال من "الجحفة" . عندها : غدير مشهور ، يضاف إلى "الغيضة" ، فيقال : "غدير خم" .

                                                                                                                              (فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكر ، ثم قال : "أما بعد ! ألا أيها الناس ! فإنما أنا بشر ، يوشك أن يأتي رسول ربي ، فأجيب . وأنا تارك [ ص: 376 ] فيكم ثقلين ؛ أولهما : كتاب الله ، فيه الهدى والنور . فخذوا بكتاب الله ، واستمسكوا به" . فحث على كتاب الله ، ورغب فيه) .

                                                                                                                              وفي رواية أخرى : "من استمسك به ، وأخذ به : كان على الهدى . ومن أخطأه ضل" .

                                                                                                                              وفي رواية : "أحدهما : كتاب الله ، هو حبل الله . من اتبعه كان على الهدى ، ومن تركه كان على الضلالة" .

                                                                                                                              والمراد بالحبل : "العهد" . وقيل : السبب الموصل إلى رضاه ورحمته . وقيل : هو نوره الذي يهدى به .

                                                                                                                              ثم قال : "وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي : ثلاثا" .

                                                                                                                              قال أهل العلم : سميا "ثقلين" : لعظمهما ، وكبير شأنهما .

                                                                                                                              وقيل : لثقل العمل بهما .

                                                                                                                              وسياق هذا الحديث ، كسياق الوصية .

                                                                                                                              والأخذ بكتاب الله : أن يتلوه آناء الليل والنهار ، ويعمل بما فيه من الحلال والحرام ، وغيرهما : مما اشتمل عليه . ولا يتخذه مهجورا .

                                                                                                                              والذكرى في أهل البيت : أن يعرف فضلهم ، ويخدمهم بما تصل [ ص: 377 ] إليه يده . ويجتنب أذاهم وحطهم . ويقتدي بهم ، فيما يوافق الكتاب والسنة . ويوقرهم ويعزرهم ، لاسيما العلماء الصلحاء منهم . فإنهم بضعة الرسول ، ومضغة البتول، وأحباء الله ، وأبناء رسوله صلى الله عليه وآله وسلم .

                                                                                                                              (فقال له حصين : ومن أهل بيته ؟ يا زيد ! أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : نساؤه من أهل بيته) .

                                                                                                                              وفي رواية أخرى : "قلنا : من أهل بيته ؟ نساؤه ؟ قال : لا" .

                                                                                                                              وهاتان الروايتان، ظاهرهما التناقض . والمعروف في معظم الروايات ، في غير مسلم : أنه قال : "نساؤه لسن من أهل بيته" . فتتأول الرواية الأولى ، على أن المراد : أنه من أهل بيته ، الذين يساكنونه ، ويعولهم ، وأمر باحترامهم وإكرامهم . وسماهم : "ثقلا" ووعظ في حقوقهم وذكر . فنساؤه داخلات في هذا كله ، (ولكن أهل بيته : من محرم الصدقة بعده) . فاتفقت الروايتان .

                                                                                                                              [ ص: 378 ] و "حرم" بضم الحاء. والمراد "بالصدقة" : الزكاة. وهي حرام عند الشافعية : على بني هاشم ، وبني المطلب . وقال مالك : بنو هاشم فقط . وقيل : هم بنو قصي. وقيل : قريش كلها .

                                                                                                                              (قال : ومن هم ؟ قال : هم آل علي ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، وآل عباس . قال : كل هؤلاء محرم الصدقة؟ قال : نعم) .

                                                                                                                              قلت : اختلف في أهل البيت ؛

                                                                                                                              فقيل : "نساؤه" لأنهن في بيته . قاله سعيد بن جبير ، عن ابن عباس . وهو قول عكرمة ، ومقاتل .

                                                                                                                              وقيل : علي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين . قاله أبو سعيد الخدري ، وجماعة من التابعين ، منهم : مجاهد ، وقتادة .

                                                                                                                              وقيل : هم من في حديث الباب . قاله زيد بن أرقم .

                                                                                                                              وقال ابن الخطيب ، والفخر الرازي : الأولى أن يقال : هم أولاده ، وأزواجه ، والحسن ، والحسين ، وعلي منهم ، لأنه كان من أهل بيته ، لمعاشرته فاطمة بنته ، وملازمته لها . ومسألة تحريم الزكاة على أهل البيت : لها موضع ، غير هذا الموضع . والمقصود هنا : بيان فضيلتهم ، وأنهم قسيم كتاب الله : في التعظيم ، والإكرام ، وفي التسمية "بالثقل" . وأنه لابد من الأخذ بهما ، فإنهما لا يفترقان حتى يردا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : الحوض .




                                                                                                                              الخدمات العلمية