الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              4459 [ ص: 402 ] (باب منه)

                                                                                                                              وذكره النووي ، في باب (فضائل خديجة ، رضي الله عنها) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم النووي ، ص 198 ، 199 ج 15 ، المطبعة المصرية

                                                                                                                              (عن أبي موسى، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كمل من الرجال كثير. ولم يكمل من النساء: غير مريم بنت عمران، وآسية امرأة فرعون. وإن فضل عائشة على النساء: كفضل الثريد على سائر الطعام ") .

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس ، الأشعري ، (رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ كمل) بفتح الكاف والميم . ويجوز : كسر الميم وضمها . ثلاث لغات مشهورات ، والكسر ضعيف . (من الرجال كثير . ولم يكمل) بضم الميم (من النساء : غير مريم بنت عمران) أم عيسى "عليه السلام" . (وآسية) بوزن "فاعلة" : من "الأسى" وهي بنت مزاحم ، (امرأة فرعون) قيل : وكانت ابنة عمه.

                                                                                                                              وقيل غير ذلك .

                                                                                                                              قال عياض : هذا الحديث ، يستدل به من يقول : بنبوة النساء ، ونبوة [ ص: 403 ] آسية ، ومريم . والجمهور على أنهما : ليستا نبيتين ، بل هما صديقتان ، ووليتان من أولياء الله تعالى . ولفظة "الكمال" : تطلق على تمام الشيء، وتناهيه في بابه . والمراد هنا : التناهي في جميع الفضائل ، وخصال البر والتقوى .

                                                                                                                              قال : فإن قلنا : هما نبيتان ، فلا شك أن غيرهما لا يلحق بهما . وإن قلنا : وليتان ، لم يمتنع أن يشاركهما من هذه الأمة غيرهما . انتهى.

                                                                                                                              قال النووي : وهذا الذي نقله ، من القول بنبوتهما : غريب ضعيف .

                                                                                                                              وقد نقل جماعة : الإجماع على عدمها. والله أعلم . انتهى.

                                                                                                                              قال في الفتح : المراد من الحديث : كمال غير الأنبياء . فلا يتم به الدليل على ذلك، لأجل ذلك.

                                                                                                                              قال القسطلاني : واستشهد بعضهم - لنبوة مريم - : بذكرها في "سورة [ ص: 404 ] مريم" مع الأنبياء ، وهو قرينة . قال: وقد اختلف في نبوة نسوة غيرهما : كحواء ، وسارة . قال السبكي : ولم يصح - عندنا في ذلك شيء . (وإن فضل عائشة ( بنت أبي بكر الصديق ، رضي الله عنهما . "وهذا القدر الخ" رواه مسلم أيضا ، من حديث "أنس بن مالك" رضي الله عنه .

                                                                                                                              (على النساء : كفضل الثريد على سائر الطعام) .

                                                                                                                              قال العلماء : معناه : أن "الثريد" من كل طعام : أفضل من المرق . فثريد اللحم : أفضل من مرقه بلا ثريد . وثريد ما لا لحم فيه : أفضل من مرقه .

                                                                                                                              والمراد بالفضيلة : نفعه ، والشبع منه ، وسهولة مساغه ، والالتذاذ به ، وتيسر تناوله ، وتمكن الإنسان من أخذ كفايته منه بسرعة ، وغير ذلك . فهو أفضل من المرق كله ، ومن سائر الأطعمة . وفضل " عائشة " على النساء : زائد كزيادة فضل الثريد على غيره ، من الأطعمة .

                                                                                                                              قال النووي : وليس في هذا : تصريح بتفضيلها على : مريم ، وآسية . لاحتمال أن المراد : تفضيلها على نساء هذه الأمة . انتهى .

                                                                                                                              وعبارة القسطلاني : وهذا لا يلزم منه : ثبوت الأفضلية المطلقة . بل يخص بنحو : "نساء هذه الأمة" .

                                                                                                                              [ ص: 405 ] وأشار "ابن حبان" كما أفاده في الفتح - إلى أن أفضليتها التي يدل عليها هذا الحديث وغيره : مقيدة بنساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم : حتى لا يدخل فيها ، مثل "فاطمة عليها السلام ، جمعا بينه وبين حديث الحاكم : "أفضل نساء أهل الجنة : خديجة ، وفاطمة" .

                                                                                                                              وفي الصحيح : لما جاءت فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؛ قال لها: "ألست تحبين ما أحب ؟" قالت : بلى . قال : "فأحبي هذه" . يعني : عائشة . قال التقي السبكي : وهذا الأمر لا صارف لحمله على الوجوب . وحكمه على الواحد : حكمه على الجماعة . فيلزم من هذا : وجوب محبتها على كل أحد . وقال صلى الله عليه وآله وسلم فيها : ما لا يحصى من الفضل . ونطق القرآن العزيز في شأنها : بما لم ينطق به في غيرها.

                                                                                                                              وأما بقية أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم - غير خديجة - : فلا يبلغن هذه المرتبة . لكنا نعلم لحفصة بنت عمر من الفضائل : كثيرا . فما أشبه أن تكون هي بعد " عائشة " !.

                                                                                                                              والكلام في التفضيل : صعب ، ولا ينبغي التكلم إلا بما ورد ، والسكوت عما سواه وحفظ الأدب .

                                                                                                                              وقال المتولي من الشافعية : الأولى بالعاقل : أن لا يشتغل بمثل ذلك .

                                                                                                                              [ ص: 406 ] انتهى.

                                                                                                                              قلت : الاشتغال بهذا ، من إضاعة الحال فيما لا يأتي بفائدة ، ولا يعود بعائدة . وما لنا وهذا ؟! والذي يجب علينا : القصر على المورد في كل واحدة منهن . والله أعلم بمن اتقى .




                                                                                                                              الخدمات العلمية