والحاصل : أن كل ما يفعله المشركون من الهنود ، وغيرهم مع آلهتهم الباطلة من الأصنام ، وغيرها يفعله هؤلاء المسلمون الكاذبون مع الأنبياء ، والأولياء ، والأئمة ، والشهداء ، والملائكة ، والجنيات ، والصلحاء .
ومع هذا يدعون الإيمان ، والإسلام ، فسبحان الله وبحمده !
ومن ثم قال تعالى في سورة يوسف -عليه السلام - : وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون [يوسف : 106] يعني : أكثر من يدعي الإيمان أسيرون في الشرك . [ ص: 289 ]
وإذا قيل لهم : إنكم تدعون الإيمان ، وتفعلون أفعال الشرك ، فكيف تجعلون هذين السبيلين سبيلا واحدا ؟
قالوا : نحن لا نشرك ، إنما نظهر عقيدتنا في جناب الأنبياء ، والأولياء .
نعم ، لو كنا نسوي الأولياء ، والأنبياء ، والشهداء والمشايخ بالله تعالى ، لكنا مشركين ، ولكنا لا نعتقد مساواتهم به سبحانه بل اعتقدنا أنهم عبيد الله ، ومخلوقه ، وقدرة التصرف هذه أعطاها الله تعالى إياهم ، فهم يتصرفون في العالم بمرضاته ، ودعاؤنا إياهم هو عين دعاء الله ، والاستعانة منهم هي الاستعانة من الله ، وهم أحباؤه يفعلون ما يشاءون ، وهم شفعاؤنا ، ووكلاؤنا عند الله ، رضا الله في رضاهم ، وسخطه في سخطهم .
ويحصل لنا من دعائهم التقرب إلى الله تعالى ، وكلما دعوناهم ، قربنا منه سبحانه ، إلى غير ذلك من الخرافات ، والهزليات .
والسبب في هذا : أن هؤلاء المشركين المدعين للإيمان نبذوا كلام الله تعالى ، وكلام رسوله وراء ظهورهم ، وتمسكوا بالعقل ، وأدخلوه في الدين ، واقتفوا القصص المختلقة ، والحكايات المفتعلة على الصالحين ، واستندوا بالرسوم الشنيعة ، والمواسم الفظيعة .
ولو فهموا كلام الله ، وكلام رسوله ، لم يتفوهوا بمثل هذه الخزعبلات ، ولم يأتوا في الجواب بنحو هذه الأراجيف .
وقد كان الكافرون يقولون مثل هذه الأقوال بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا ، ولكن الله لم يقبل منهم تلك الأباطيل ، بل وجد عليهم ، وكذبهم في مقالاتهم كما قال في سورة يونس -عليه السلام - : ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون [يونس : 18] . [ ص: 290 ]
يعني : الذين يعبدونهم هؤلاء لم يعطهم الله قدرة على الفائدة ، ولا على الضر .
وأما قولهم : إنهم شفعاؤهم عند الله ، فلم يقل الله بهذا قط ، أفهم أعلم من الله فينبئونه بما لا يعلم ؟
ومفهوم هذه الآية : أنه ليس في السماوات والأرض شفيع يستحق العبادة والدعاء ، ويتمكن على النفع والضر .
كيف وشفاعة الأنبياء والأولياء في اختيار الله سبحانه ؟ دعوهم ، أو لم يدعوهم لا ينفعون شيئا .
وفيها : أن من دعا أحدا على أنه يشفع له ، فهو مشرك .
وقد قال تعالى في سورة الزمر : إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار [الزمر : 3] .
يعني : كان الأمر الحق أن الله أقرب إلى عبده من كل شيء ليدركوا هذا الأمر ، واختلقوا أنهم حماة لهم ، ومقربوهم إليه سبحانه .
وكان من نعم الله أنه بمحض فضله يعطي المرادات ، ويقضي الحاجات ، ويدفع البليات ، فلم يعرفوا هذا الحق لله ، ولم يشكروا له على ذلك.
بل طلبوا هذا من غير الله ، وابتغوا قربه في هذا السبيل العوج ، فلا يهديهم الله أبدا ، ولا يحصل لهم قربه ، ومتى سلكوا هذا السبيل ، بعدوا من الله .
والآية دلت على أن ، وعلم أن من حمايته يحصل التقرب منه تعالى ، فهو مشرك ، كاذب ، كفار لنعم الله . من اتخذ أحدا حاميا له ، واعتقد أنه ينفعه ، أو يضره من دون إرادة الله سبحانه