وقال تعالى : إن الله عنده علم الساعة   [لقمان : 34] ؛ أي : علم وقتها الذي تقوم فيه . 
قال الفراء   : معنى هذا الكلام النفي ؛ أي : ما يعلمه إلا الله . 
وقال النحاس   : وإنما صار فيه معنى النفي ؛ لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال: في قوله : وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو   : أنها هذه وينزل الغيث  ؛ أي : من الأوقات المضروبة له ، وفي الأمكنة التي جعلها معينة لإنزاله ، ولا يعلم ذلك غيره . قرئ من التنزيل ، والإنزال . 
وفيه رد على من يقول بنزوله بنوء كذا وكذا ، في وقت كذا وكذا ، في مكان كذا وكذا ، ونحو ذلك. 
ويعلم ما في الأرحام  من الذكور والإناث ، والصلاح والفساد ، وما يتصل بهذا من التطورات . 
وما تدري نفس  من النفوس ، كائنة ما كانت ، من غير فرق بين الملائكة والأنبياء ، والجن والإنس ، والشياطين . 
ماذا تكسب غدا  من كسب دين ، أو كسب دنيا ، خير أو شر ، فرح أو ترح ، بسط أو قبض ، عسر أو يسر ، ونحوها من كل شيء . 
وما تدري نفس بأي أرض تموت  ؛ أي : لا تعلم نفس بأي مكان يقضي الله عليها بالموت من الأرض ، في بر أو بحر ، في سهل أو جبل . 
وربما أقامت بأرض ، وضربت أوتادها ، وقالت : لا أبرحها ، فترمي بها مرامي القدر ، حتى تموت في مكان لم يخطر ببالها . 
روي : أن ملك الموت مر على سليمان   -عليه السلام - ، فجعل ينظر إلى  [ ص: 414 ] رجل من جلسائه ، فقال الرجل : من هذا ؟ قال: ملك الموت ، قال: كأنه يريدني ، وسأل سليمان   -عليه السلام - أن يحمله على الريح ، ويلقيه ببلاد الهند ، ففعل . ثم قال ملك الموت لسليمان   : كان دوام نظري إليه تعجبا منه ؛ لأني أمرت أن أقبض روحه بالهند ، وهو عندك . ذكره النسفي في «المدارك » . 
ورأى المنصور في منامه صورة ملك الموت ، وسأله عن مدة عمره ، فأشار بأصابعه الخمس ، فعبرها المعبرون بخمس سنوات ، وبخمسة أشهر ، وبخمسة أيام . 
فقال الإمام  أبو حنيفة نعمان بن ثابت   -رضي الله عنه - : هو إشارة إلى هذه الآية الشريفة ؛ فإن هذه العلوم الخمسة لا يعلمها إلى الله   . 
قال الكرخي   : أضاف في الآية العلم إلى نفسه في الثلاثة الأولى من الخمسة المذكورة ، ونفى العلم عن العباد في الأخيرتين منها ، مع أن الخمسة سواء في اختصاص الله تعالى بعلمها ، وانتفاء علم العباد بها ؛ لأن الثلاثة الأول أمرها أعظم ، وأفخم ، فخصت بالإضافة إليه تعالى . 
والأخيرتان من صفات العباد ، فخصتا بالإضافة إليهم ، مع أنه إذا انتفى عنهم علمها ، كان انتفاء علم ما عداهما من الخمسة أولى إن الله عليم  بهذه الأشياء ، وبغيرها من الغيوب جميعها خبير  بما كان ، وربما يكون ، وببواطن الأشياء كلها ، ليس علمه محيطا بالظاهر فقط . 
قال  ابن عباس   : هذه الخمسة لا يعلمها ملك مقرب ، ولا نبي مرسل . 
فمن ادعى أنه يعلم شيئا من هذه، فإنه كفر بالقرآن . 
وفيه رد على المنجم والكاهن اللذين يخبران بوقت الغيث والموت ، وغيرهما . 
أخرج  البخاري   ومسلم  ، وغيرهما عن  ابن عمر   -رضي الله عنهما - ، قال:  [ ص: 415 ] 
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله : لا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا متى تقوم الساعة إلا الله ، ولا ما في الأرحام إلا الله ، ولا متى ينزل الغيث إلا الله ، وما تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله »  . 
وفي «الصحيحين » ، وغيرهما ، من حديث  أبي هريرة  ، في حديث سؤاله عن الساعة ، وجوابه بأشراطها ، ثم قال: «في خمس لا يعلمهن إلا الله » ، ثم تلا هذه الآية . 
أي : لا يدري أحد متى تقوم الساعة ، في أي سنة ، وأي شهر ، وأي يوم ، وأي ساعة ، ليلا ، أو نهارا . 
 
				 
				
 
						 
						

 
					 
					