الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإن لم يتغير وكان قريبا من مائتين وخمسين منا ، وهو خمسمائة رطل برطل العراق لم ينجس لقوله صلى الله عليه وسلم : إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا ، وإن كان دونه صار نجسا عند الشافعي رضي الله عنه

التالي السابق


وقال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن الماء القليل والكثير إذا وقعت فيه نجاسة فغيرت له طعما أو لونا أو ريحا هو نجس. (فإن لم يتغير) أحد أوصافه (وكان قريبا من مائتين وخمسين منا، وهو خمسمائة رطل بالرطل العراقي) ، وفي نسخة برطل العراق، وهو المعبر عنه بالبغدادي; لأنها دار مملكة العراق (لم ينجس) ، وهذا هو الكثير، قال الرافعي: وهو المذهب; لأن القربة الواحدة لا تزيد على مائة رطل في الغالب ويحكى هذا عن نص الشافعي رحمه الله تعالى (لقوله صلى الله عليه وسلم: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا، وإن كان دونه) وخالطته النجاسة (صار نجسا عند الشافعي رضي الله عنه) ، وكذا عند أبي حنيفة وأحمد في إحدى روايتيه، وعند مالك وأحمد في الرواية الأخرى أنه ما لم يتغير فهو طاهر كذا قاله ابن هبيرة قال الرافعي، وفي بعض الروايات تقييدهما بقلال هجر، ثم روى الشافعي [ ص: 324 ] عن ابن جريج أنه قال: رأيت قلال هجر، والقلة منها تسع قربتين أو قربتين وشيئا، فاختلط الشافعي فحسب الشيء نصفا; لأنه لو كان فوق النصف لقال: تسع ثلاث قرب إلا شيئا هذا عادة أهل اللسان، فإذا جملة القلتين خمس قرب، واختلفوا في تقدير ذلك بالوجه على ثلاثة أوجه، أحدها ذهب أبو عبد الله الزبيري إلى أن القلتين ثلاثمائة من; لأن القلة ما يقله بعير ولا يقل الواحد من بعران العرب غالبا أكثر من وسق، والوسق ستون صاعا وذلك مائة وستون منا، والقلتان ثلاثمائة وعشرون تحط منها عشرون للظروف والحبال تبقى ثلاثمائة، وهذا اختيار القفال، والأشبه عند صاحب الكتاب يعني الغزالي، والثاني أن القلتين ألف رطل; لأن القربة قد تسع مائتي رطل فالاحتياط الأخذ بالأكثر، ويحكى هذا عن أبي زيد، ثم ذكر القول الثالث، وهو الذي أورده المصنف هنا، ثم إن هذا السياق دال على أن المصنف يميل إلى قول القفال والذي هنا أن المختار عنده القول الثالث، وكأنه رجع إليه آخرا، وكون أنه كان يقول بقول القفال صرح به في الوسيط حيث قال: فإن قيل: ما حد القلتين؟ قلنا: قيل: خمسمائة من، وقيل: خمسمائة رطل، والأفضل ما ارتضاه القفال وصاحب الكافي أنها ثلاثمائة من; لأنها مأخوذة من استقلال البعير وبعران العرب ضعاف لا تحمل أكثر من مائة وستين منا فتحط عشرة أمناء للراوية والحبال .

وفي الروضة للنووي: والقلتان خمس قرب، وفي وزنها بالأرطال أوجه الصحيح المنصوص خمسمائة رطل بالبغدادي، والثاني ستمائة قاله الزبيري، واختاره القفال والزبيري، والثالث ألف رطل، واختاره أبو زيد . وفي شرح المنهاج للشربيني، وهو يعني الرطل البغدادي مائة وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم في الأصح، وفي كتاب الإقناع للمعجاوي من الحنابلة ما نصه: والماء الكثير قلتان فصاعدا واليسير دونهما وهما خمسمائة رطل عراقي تقريبا أو أربعمائة وستة وأربعون رطلا وثلاثة أسباع رطل مصري وما وافقه من البلدان ومائة وسبعة أرطال وسبع رطل دمشقي وما وافقه وتسعة وثمانون رطلا وسبعا رطل حلبي وما وافقه وثمانون رطلا وسبعا رطل ونصف سبع رطل قدسي وما وافقه واحد وسبعون رطلا وثلاثة أسباع رطل بعلي وما وافقه والرطل العراقي مائة درهم وثمانية وعشرون درهما وأربعة أسباع درهم، وهو سبع القدسي وثمن سبعه وسبع الحلبي وربع سبعه وسبع الدمشقي ونصف سبعه وستة أسباع المصري وربع سبعه وسبع البعلي، وهو بالمثاقيل تسعون مثقالا ومجموع القلتين بالدراهم أربعة وستون ألفا ومائتان وخمسة وثمانون درهما وخمسة أسباع درهم، فإذا أردت معرفة القلتين بأي رطل أردت فاعرف عدد دراهمه، ثم اطرحه من دراهم القلتين مرة بعد أخرى حتى لا يبقى منها شيء واحفظ الأرطال المطروحة فما كان فهو مقدار القلتين بالرطل الذي طرحت به، وإن بقي أقل من رطل فانسبه منه، ثم اجمعه إلى المحفوظ .

ووجدت بخط بعض المقيدين في حاشية الكتاب: أوقية بغداد عشرة دراهم وخمسة أسباع درهم، وأوقية مصر اثنا عشر درهما، وكذا مكة والمدينة الآن، وأوقية القدس وحمص ستة وستون درهما وثلثا درهم، وأوقية دمشق خمسون درهما، وأوقية حلب وبيروت ستون درهما وأوقية بعلبك خمسة وسبعون درهما .

ووجدت بإزاء ما تقدم من كلام الإقناع ما نصه: قاعدة تعرف منها الأوزان العراقية بالرطل المصري والدمشقي والقدسي والحلبي والبعلي، فإن زدت على الوزن العراقي مثله خمس مرات ومثل ربعه، ثم أخذت سبع جميع المجتمع فهو المصري، وإن زدت قدر نصفه، ثم أخذت سبع المجتمع فهو الدمشقي، وإن زدت مثل ربعه، ثم أخذت سبع المجتمع فهو الحلبي، وإن زدت مثل ثمنه، ثم أخذت سبع المجتمع فهو القدسي، وإن أخذت سبع البعلي من غير زيادة فهو العراقي .

قال الرافعي: ثم ذلك معتبر بالتحديد أو بالتقريب فيه وجهان أصحهما، وهو الذي ذكره في الكتاب يعني الوجيز أنه معتبر بالتقريب; لأن ابن جريج رد القلة إلى القرب تقريبا، والشافعي حمل الشيء على النصف احتياطا وتقريبا، والقلال في الأصل تكون متفاوتة أيضا، كما نعهده اليوم في الحباب والكيزان، والثاني أنه معتبر بالتحديد [ ص: 325 ] كنصاب السرقة ونحو ذلك، فإن قلنا بهذا لم نسامح بنقصان شيء، وإن قلنا بالأول فلنسامح بالقدر الذي لا يبين بنقصانه تفاوت في التغيير بالقدر المغير من الأشياء المغيرة . ومثله في الروضة، وفي المنهاج، وقال الخطيب الشربيني: القلتان بالمساحة في المربع ذراع وربع طولا وعرضا وعمقا، وفي المدور ذراعان طولا وذراع عرضا قاله العجلي والمراد فيه بالطول العمق وبالعرض ما بين حافتي البئر من سائر الجوانب وبالذراع في المربع ذراع الآدمي، وهو شبران تقريبا، وأما في المدور فالمراد في الطول ذراع النجار الذي هو بذراع الآدمي ذراع وربع تقريبا ووجهه أن يبسط كل من العرض والطول ومحيط العرض، وهو ثلاثة أمثاله وسبع أرباعا لوجود مخرجها في قدر القلتين في المربع فيجعل كل واحد أرباعا فيصير العرض أربعة والطول عشرة والمحيط اثني عشر وأربعة أسباع، ثم تضرب نصف العرض، وهو اثنان في نصف المحيط، وهو ستة وسبعان تبلغ اثني عشر وأربعة أسباع، وهو بسط المسطح فتضرب بسط المسطح في بسط الطول، وهو عشرة تبلغ مقدار مسح القلتين في المربع، وهو مائة وخمسة وعشرون ربعا مع زيادة خمسة أسباع ربع وبها التقريب .

وفي الإقناع للحجاوي من الحنابلة، مساحة القلتين مربعا ذراع وربع طولا وذراع وربع عرضا وذراع وربع عمقا، ومدورا ذراع طولا وذراعان ونصف عمقا، والمراد ذراع اليد ، وهو موافق لما نقله الشربيني عن العجلي في مساحة التربيع، وفي مساحة التدوير نوع مخالفة يظهر بالتأمل، وكون ما تقدم من العدد تقريب لا تحديد هو مختار سائر المتأخرين وأشار لذلك ابن الوردي في بهجة الحاوي حيث قال:

وإنما تنجيس ذي اتصال كجرية قارب في الأرطال


خمس مئين تفسير قلتين فليلغ نقص الرطل والرطلين

قال الولي العراقي: والمراد بالقلتين خمسمائة رطل عند الشافعي، وهو تقريب لا تحديد، كما أشار إلى ذلك بقوله: قارب فلا يضر نقص الرطل والرطلين، كما صححه النووي وتبعه في النظم، وهو من زيادته على الحاوي . ولذا قال في المنهاج: تقريبا على الأصح ودل ذلك على أن التحديد صحيح، وقد ذكر الشربيني المقدرات أربعة أقسام: تقريب بلا خلاف، وتحديد بلا خلاف، وتحديد على الأصح، وتقريب على الأصح، وذكر لكل منها أمثلة راجع شرحه على المنهاج .



(مهمات)

الأولى في تخريج هذا الحديث قال الشيخ سراج الدين بن الملقن في خلاصة البدر المنير: رواه الشافعي وأحمد والأربعة والدارقطني والبيهقي من رواية ابن عمر وصححه الأئمة كابن خزيمة وابن حبان وابن منده والطحاوي والحاكم وزاد أنه على شرط البخاري ومسلم والبيهقي والخطابي، وفي رواية لأبي داود وغيره: إذا بلغ الماء قلتين لم ينجس. قال يحيى بن معين: إسنادها جيد والحاكم صحيح والبيهقي موصول والمزكي لا غبار عليه .

ونص الشافعي في الأم أخبرنا مسلم عن ابن جريج بإسناد لا يحضرني ذكره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا، وقال في الحديث: بقلال هجر، ثم نقل كلام ابن جريج الذي أسبقناه آنفا بنقل الرافعي، قال الحافظ: وهذا الذي قاله الشافعي رحمه الله تعالى بإسناد لا يحضرني ذكره قد رواه الحاكم أبو أحمد والبيهقي وغيرهما من طريق أبي قرة موسى بن طارق عن ابن جريج قال: أخبرني محمد أن يحيى بن عقيل أخبره أن يحيى بن يعمر أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسا ولا بأسا، قال: فقلت ليحيى بن عقيل: أي قلال هجر؟ قال محمد: رأيت قلال هجر فأظن كل قلة تأخذ قربتين، وقال الدارقطني: حدثنا أبو بكر النيسابوري ثنا أبو حميد المصيصي، ثنا حجاج عن ابن جريج مثله. قال الحاكم أبو أحمد محمد شيخ ابن جريج هو محمد بن يحيى له رواية عن يحيى بن أبي كثير أيضا قال الحافظ: وكيفما كان هو مجهول الحال، الثانية مدار هذا الحديث على الوليد بن كثير فقيل عنه عن محمد بن جعفر بن الزبير، وقيل: عنه عن محمد بن عباد بن جعفر وتارة عن عبيد الله بن عبد الله بن عمرو وتارة عن [ ص: 326 ] عبد الله بن عبد الله بن عمر قلت: ولأجل هذا الاضطراب لم يخرجه الشيخان، الثالث: قال الأزهري: القلال مختلفة في قرى العرب وقلال هجر أكبرها، وقال الخطابي: قلال هجر مشهورة الصفة معلومة المقدار، والقلة لفظ مشترك وبعد صرفها إلى إحدى معلوماتها وهي الأواني تبقى مترددة بين الكبار والصغار، والدليل على أنها من الكبار جعل الشارع الحد مقدارا بعدد فدل على أنه أشار إلى أكبرها; لأنه لا فائدة في تقديره بقلتين صغيرتين مع القدرة على تقديره بواحدة كبيرة، والله أعلم .

الرابعة: معنى قوله: لم يحمل الخبث أي لم ينجس بوقوع النجاسة فيه، والتقدير لا يقبل النجاسة بل يدفعها عن نفسه ولو كان المعنى أنه يضعف عن حمله لم يكن للتقييد بالقلتين معنى، فإن ما دونهما أولى بذلك وقيل: معناه لا يقبل حكم النجاسة، كما في قوله تعالى: مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها أي لم يقبلوا حكمها .

الخامسة: قال ابن عبد البر في التمهيد: ما ذهب إليه الشافعي من حديث القلتين مذهب ضعيف من جهة النظر غير ثابت من جهة الأثر; لأنه حديث تكلم فيه عن جماعة من أهل العلم، ولأن القلتين لم يوقف على حقيقة مبلغهما في أثر ثابت ولا إجماع، وقال في الاستذكار: هو حديث معلول، وقال الحافظ: وفي ثبوت كون القلتين تزيد على قربتين طعن فيه ابن المنذر من الشافعية وإسماعيل القاضي من المالكية بما محصله بأنه أمر مبني على ظن بعض الرواة، والظن ليس بواجب قبوله ولا سيما من مثل محمد بن يحيى المجهول; ولهذا لم يتفق السلف وفقهاء الأمصار على الأخذ بذلك التحديد فقال بعضهم: القلة تقع على الكوز والجرة كبرت أو صغرت وقيل غير ذلك، وقال الطحاوي: إنما لم نقل به; لأن مقدار القلتين لم يثبت، وقال ابن دقيق العيد: هذا الحديث قد صححه بعضهم، وهو صحيح على طريقة الفقهاء; لأنه وإن كان مضطرب الإسناد مختلفا في بعض ألفاظه، فإنه يجاب عنها بجواب صحيح، فإنه يمكن الجمع بين الروايات، ولكن تركته; لأنه لم يثبت عندنا بطريق استقلالي يجب الرجوع إليه شرعا تعيين مقدار القلتين، وأما قول صاحب الهداية من علمائنا: وما رواه الشافعي ضعفه أبو داود يريد حديث القلتين، فأجاب الحافظ: بأنا لم نجد هذا عن أبي داود بل أخرج هذا الحديث وسكت عليه في جميع الطرق منه ولم يقع منه فيه طعن في سؤالات الآجري ولا غيرها بل أردفه في السنن بكلام يدل على تصحيحه له ومخالفته لمذهب من يخالفه، وقال الزيلعي في شرح الكنز: ليس في الحديث حجة; لأنه ضعفه جماعة من المحدثين حتى قال البيهقي: إنه غير قوي، وقد تركه الغزالي والروياني مع شدة اتباعهما للشافعي لضعفه فلا يعارض ما رويناه يعني حديث النهي عن البول في الماء الراكد وحديث المستيقظ، ولأن القلة مجهولة لتفاوتها فلا يمكن ضبطها فلا يتعبدنا الله تعالى بمجهول، وتقديره بما قدره الشافعي لا يهتدي إليه الرأي فلا يجوز إثباته إلا بالنقل، ولأن القلة اسم مشترك لمعان مختلفة فلا يمكن الحمل على أحدها إلا بدليل، هذا مجموع ما رأيت من الاعتراض على هذا الحديث، وقد أجاب الحافظ عن الاضطراب في سنده بأنه ليس بقادح وأنه على تقدير أن يكون الجميع محفوظا انتقال من ثقة إلى ثقة، وعند التحقيق الصواب أنه عند الوليد بن كثير عن محمد بن عباد بن جعفر عن عبد الله بن عبد الله بن عمر المكبر، وعن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد الله بن عبد الله بن عمر المصغر، ومن رواه على غير هذا الوجه فقد وهم، وقول ابن دقيق العيد; لأنه لم يثبت عندنا إلخ كأنه يشير إلى ما أخرجه ابن عدي من حديث ابن عمر: إذا بلغ الماء قلتين من قلال هجر لم ينجسه شيء، وفي إسناده المغيرة بن صقلاب، وهو متروك لا يتابع على عامة حديثه، وقول الزيلعي نقلا عن البيهقي إن الحديث غير قوي، وقد تركه الغزالي والروياني، أما قول البيهقي: إنه غير قوي، فكأنه نظر إلى الاضطراب الذي وقع في إسناده، وقد تقدم أنه ليس بقادح، وأما ترك الغزالي إياه فكأنه يشير إلى ما ذهب إليه في هذا الكتاب، فإنه نقض هذا القول بسبعة أوجه، كما سيأتي بيانها، وأما في كتبه الثلاثة البسيط والوسيط والوجيز، فإنه تبع فيها إمامه فتأمل .

السادسة: قال الرافعي، وعند أبي حنيفة وأصحابه لا اعتبار بالقلال، وإنما الكثير هو الذي إذا حرك جانب منه لم يتحرك الثاني، هذه رواية ولهم روايات سواها، قلت: اعتبر أصحابنا عشرا في عشر [ ص: 327 ] وجعلوه في حكم الجاري أخذا بالأحوط، وقد اختلفوا فمنهم من يعتبر بالتحريك، ومنهم من يعتبر بالمساحة، وظاهر المذهب أن يعتبر بالتحريك، وهو قول المتقدمين منهم حتى قال صاحب البدائع والمحيط: اتفقت الروايات عن أصحابنا المتقدمين أنه يعتبر بالتحريك، وهو أن يرتفع وينخفض من ساعته لا بعد المكث ولا يعتبر أصل الحركة; لأن الماء لا يخلو عنه; لأنه متحرك بطبعه، ثم اختلف كل واحد من الفريقين في التقدير، فأما من قال بالمساحة فمنهم من اعتبر عشرا في عشر، وهو الذي اختاره النسفي ومشايخ بلخ وابن المبارك وجماعة من المتأخرين، قال أبو الليث وعليه الفتوى، ومنهم من اعتبر أن يكون ثمانيا في ثمان قاله محمد بن سلمة، ومنهم من اعتبر أن يكون اثني عشر في اثني عشر، ومنهم من اعتبر أن يكون خمسة عشر في خمسة عشر، والذراع المذكور فيه ذراع الكرباس وهي ذراع العامة ست قبضات؛ أربعة وعشرون إصبعا، وعند بعضهم يعتبر ذراع المساحة وهي سبع قبضات بإصبع قائمة، واختاره بعضهم، ثم لو كانت النجاسة في موضع من الماء يتنجس من كل جانب إلى عشرة أذرع في قول من يرى تنجس موضع الوقوع، وأما من اعتبر التحريك فمنهم من اعتبره بالاغتسال رواه أبو يوسف عن أبي حنيفة وقيل: بالتوضؤ، رواه محمد عن أبي حنيفة، وروي عن أبي يوسف أنه يعتبر باليد من غير اغتسال ولا وضوء، وروي عن محمد أنه يعتبر بغمس الرجل وقيل: يعتبر أن لا يخلص الجزء المستعمل نفسه إلى الجانب الآخر إلا بحركة الاستعمال لا بالاضطراب الذي يكون في الماء عادة، وقيل: يلقى فيه قدر النجاسة من الصبغ فموضع لم يصل إليه الصبغ لم يتنجس، وقيل: يعتبر التكدر، وظاهر الرواية عن أبي حنيفة أنه يعتبر رأي المبتلى، فإن غلب على ظنه أنه وصل إلى الجانب الآخر لا يجوز الوضوء به وإلا جاز، ذكره في الغاية قال: وهو الأصح وهذا; لأن المذهب الظاهر عند أبي حنيفة التحري، والتفويض إلى رأي المبتلى به من غير تحكم بالتقدير فيما لا تقدير فيه من جهة الشارع، ثم المعتبر في العمق أن يكون بحال لا ينحسر بالاغتراف، وهو اختيار أبي جعفر الهندواني، والصحيح إذا أخذ الماء وجه الأرض يكفي ولا تقدير فيه في ظاهر الرواية، وقيل: مقدر بذراع أو أكثر، وقيل: بمقدار شبر، وقيل: بزيادة على الدرهم الكبير .




الخدمات العلمية