هذا هو مذهب الشافعي رضي الله عنه .
وكنت أود أن يكون مذهبه كمذهب مالك رضي الله عنه في أن الماء ، وإن قل لا ينجس إلا بالتغير إذ الحاجة ماسة إليه ومثار الوسواس اشترط القلتين ولأجله شق على الناس ذلك ، وهو لعمري سبب المشقة ويعرفه من يجربه ويتأمله .
ومما لا أشك فيه أن ذلك لو كان مشروطا لكان أولى المواضع بتعسر الطهارة مكة والمدينة إذ لا يكثر فيهما المياه الجارية ولا الراكدة الكثيرة .
ومن أول عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى آخر عصر أصحابه لم تنقل واقعة في الطهارة ولا سؤال عن كيفية حفظ الماء عن النجاسات .
وكانت أواني مياههم يتعاطاها الصبيان والإماء الذين لا يحترزون عن النجاسات .
وقد توضأ عمر رضي الله عنه بماء في جرة نصرانية وهذا كالصريح في أنه لم يعول إلا على عدم تغير الماء وإلا فنجاسة النصرانية وإنائها غالبة تعلم بظن قريب فإذا عسر القيام بهذا المذهب .
وعدم وقوع السؤال في تلك الأعصار دليل أول .
وفعل عمر رضي الله عنه دليل ثان .
والدليل الثالث إصغاء رسول الله صلى الله عليه وسلم الإناء للهرة وعدم تغطية الأواني منها بعد أن يرى أنها تأكل الفأرة ولم يكن في بلادهم حياض تلغ السنانير فيها وكانت لا تنزل الآبار .
والرابع أن الشافعي رضي الله عنه نص على أن غسالة النجاسة طاهرة إذا لم تتغير ونجسة إن تغيرت وأي فرق بين أن يلاقي الماء النجاسة بالورود عليها أو بورودها عليه وأي معنى لقول القائل إن قوة الورود تدفع النجاسة مع أن الورود لم يمنع مخالطة النجاسة ، وإن أحيل ذلك على الحاجة فالحاجة أيضا ماسة إلى هذا فلا فرق بين طرح الماء في إجانة فيها ثوب نجس أو طرح الثوب النجس في الإجانة وفيها ماء وكل ذلك معتاد في غسل الثياب والأواني .


