الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
وحكم العنفقة حكم اللحية في الكثافة والخفة ثم يفعل ذلك ثلاثا ويفيض الماء على ظاهر ما استرسل من اللحية ويدخل الأصابع في محاجر العينين وموضع الرمص ومجتمع الكحل وينقيهما .

فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ويأمل عند ذلك خروج الخطايا من عينيه وكذلك عند كل عضو ويقول عنده اللهم بيض وجهي بنورك يوم تبيض وجوه أوليائك ولا تسود وجهي بظلماتك يوم تسود وجوه أعدائك ويخلل اللحية الكثيفة عند غسل الوجه فإنه مستحب ثم يغسل يديه إلى مرفقيه ثلاثا ويحرك الخاتم ويطيل الغرة ويرفع الماء إلى أعلى العضد .

التالي السابق


(وللعنفقة) هي الشعر النابت تحت الشفة السفلى وقيل : هي ما بين الشفة السفلى والذقن سواء كان عليها شعر أم لا والجمع عنافق (حكم اللحية في الكثافة والخفة) وقيل : حكم الشعور الأربعة وهذان مبنيان على المعنيين المذكورين في الحاجبين ونحوهما إن عللنا بالمعنى الأول ، وهو ندرة الكثافة في تلك الشعور فالعنفقة ملحقة بها ، وإن عللنا بإحاطته للبياض فلا ، بل هي كاللحية والمعنى الأول أظهر ؛ لأنهم حكوا عن نص الشافعي رحمه الله التعليل بأن هذه الشعور تستر ما تحتها غالبا والله أعلم ، فإن قلت : ما الفرق بين الخفيف والكثيف ؟ قلت : الخفيف ما يتراءى البشرة من خلاله في مجلس التخاطب والكثيف ما يستر ويمنع الرؤية ، وهذا قول أكثر الأصحاب وقيل : الخفيف ما يصل إلى منابته من غير مبالغة واستقصاء والكثيف ما يفتقر إليه وطبقة من المحققين كأبي محمد والمسعودي يقربون ويقولون : إنهما يرجعان إلى معنى واحد ، ولكن بينهما تفاوت مع التقارب الذي ذكروه ؛ لأن لهيئة النبات وكيفية الشعر في السبوطة والجعودة تأثيرا في الستر ، وفي وصول الماء إلى المنبت ، وقد يؤثر شعره في أحد الأمرين دون الآخر ، فإذا ظهر الاختلاف فلك أن ترجح العبارة الثانية وتقول الشارب معدود من الشعور الخفيفة وليس كونه مانعا من رؤية البشرة تحته بأمر نادر فهو كشعر الضرب الثاني ، فإن قلت : لو كان بعضه كثيفا وبعضه خفيفا ما حكمه ؟ قلت : فيه وجهان أصحهما أن للخفيف حكم الخفيف وللكثيف حكم الكثيف توفير المقتضى كل واحد منهما عليه ، والثاني لا لمقتضى حكم الخفيف ، وهو الذي ذكره في التهذيب وعلله أن كثافة البعض مع خفة البعض نادر فصار كشعر الذراع إذا كثف ولك أن تمنع ما ذكره وتدعي أن الكثافة في البعض والخفة في البعض أغلب في كثافة الكل والله أعلم (ثم يفعل ذلك ثلاثا) ، كما هو حكم سائر القرب ، ثم أشار المصنف إلى القسم الثاني في بيان حكم الشعور الخارجة عن حد الوجه فما خرج عن حد الوجه من اللحية طولا وعرضا بقوله : (ويفيض الماء على ظاهر ما استرسل من اللحية) ولا يجب غسل باطنه ، وبه قال أبو حنيفة والمزني ؛ لأن الشعر النازل عن حد الرأس لا يثبت له حكم الرأس وعبارة أصحابنا ولا يجب إيصال الماء إلى المسترسل من الشعر عن دارة الوجه ؛ لأنه ليس من أصالة وليس بدلا عنه اهـ. قال الرافعي وقول آخر ، وهو الأصح أنه يجب ؛ لأنه من الوجه بحكم التبعية ولأن الوجه ما يقع به المخاطبة والمواجهة ولأنه متدل في محل الفرض فأشبه الجلدة المتدلية ، وهذا الخلاف يجري أيضا في الخارج عن حد الوجه من الشعور الخفيفة كالعذار والسبال اشتهرت بالإفاضة يقولون تجب الإفاضة في قول ولا تجب في قول وقصدهم بهذه اللفظة بيان أن داخل المسترسل لا يجب غسله قولا واحدا كالشعور النابتة تحت الذقن ، ولكن واصطلاح المتقدمين استعمال هذه اللفظة في الشعر لإمرار الماء على الظاهر فتعرض المصنف لظاهر المسترسل من اللحية [ ص: 359 ] في لفظه والإفاضة على هذا الاصطلاح مغنية عن التقييد بالظاهر فتأمل ومع ذلك قد حكي وجه أنه يجب غسل الوجه الباطن من الطبقة العليا من المسترسل إذا أوجبنا غسل الوجه البادي منه ، وهو بعيد عند علماء المذهب (ويدخل الأصبع في محاجر العينين) جمع محجر كمجلس ما ظهر من النقاب من الرجل والمرأة من الجفن الأسفل ، وقد يكون من الأعلى (وموضع الرمص) محركة هو وسخ العين الذي يجتمع في الموق (ومجتمع الكحل) ، أي : موضع اجتماع الكحل في أطراف العين (وينقيها) من تلك الأوساخ (فقد روي أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك) .

قال العراقي روى أحمد من حديث أبي أمامة كان يتعاهد الماقين ، وروى الدارقطني من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف : أشربوا الماء أعينكم اهـ. قلت : ورواه ابن عدي في الكامل والعقيلي في الضعفاء بلفظ : أشربوا أعينكم من الماء عند الوضوء ولا تنفضوا أيديكم ، فإنها مراوح الشيطان ، ثم هذه المسألة التي ذكرها المصنف من زياداته على الوجيز قال أصحابنا : لا يجب إيصال الماء إلى باطن العينين ولو في الغسل لخوف الضرر وللحرج فقد كف بصر من تكلف ذلك كابن عمر وابن عباس ، ومن الناس من قال : لا يضم العين كل الضم ولا يفتح كل الفتح حتى يصل الماء إلى أشفاره وحواجب عينيه ، وأما ما قاله صاحب عين العلم ويفتح العين قال شارحه ملا علي هو غير معروف (ويأمل عند ذلك خروج الخطايا) التي اكتسبها (من عينيه) كالنظر إلى المحرمات فقد ورد زنا العين النظر (وكذلك عند) غسل (كل عضو) يأمل خروج الخطايا منه (ويقول عنده) ، أي : غسل الوجه : (اللهم بيض وجهي بنورك يوم تبيض وجوه أوليائك ولا تسود وجهي بظلماتك يوم تسود وجوه أعدائك) وعبارة القوت ويقول : عند غسل وجهه اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه أوليائك ، ولا تسود وجهي يوم تسود وجوه أعدائك ومثله في العوارف إلا أنه زاد : اللهم صل على محمد وآل محمد ، وفي حديث الحسن البصري عن علي الذي تقدم ذكره آنفا ، فإذا غسلت وجهك فقل : اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ، وفي حديث أنس المتقدم ذكره فلما أن غسل وجهه قال : اللهم بيض وجهي يوم تبيض الوجوه ، وفي كتاب الذخائر لمجلي ويقول عند غسل الوجه : اللهم بيض وجهي يوم تبيض وجوه أوليائك وتسود وجوه أعدائك ، وقد ظهر لك من هذا أن قول المصنف : بنورك وبظلماتك لا ذكره الفقهاء ولا المحدثون (ويخلل اللحية عند غسل الوجه فهو مستحب) ؛ لأن ما لا يجب إيصال الماء إلى باطنه ومنابته من شعر الوجه يستحب تخليله بالأصابع ، وروي عن عثمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته ، وروي أنه كان يخلل لحيته ويدلك عارضيه بعض الدلك ، وعن المزني أن التخليل واجب ، ورواه ابن كج عن بعض الأصحاب كذا نقله الرافعي قال النووي : قلت : مراد قائله وجوب إيصال الماء إلى المنبت وليس بشيء ، وقد نقلوا الإجماع على خلافه والله أعلم ، وفي عبارة أصحابنا : ويسن في الأصح تخليل اللحية الكثة ، وهو قول أبي يوسف لحديث عثمان المتقدم ذكره والتخليل تفريق الشعر من جهة الأسفل إلى فوق ويكون بعد غسل الوجه ثلاثا بكف من ماء من أسفلها لما روى أبو داود والحاكم عن أنس رضي الله عنه كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أخذ كفا من ماء تحت حنكه فخلل به لحيته ، وقال : بهذا أمرني ربي . وأبو حنيفة ومحمد يفضلان تخليل اللحية لعدم ثبوت المواظبة ولكون السنة لا كمال الفرض في محله وداخلها ليس بمحل لإقامته فلا يكون التخليل كمالا فلا يكون سنة بخلاف الأصابع ورجح في المبسوط قول أبي يوسف : (ثم يغسل يديه إلى مرفقيه ثلاثا) ، وهذا هو الفرض الثالث في مذهب المصنف قال الله تعالى : وأيديكم إلى المرافق فإيجاب غسل أحد المرفقين بعبارة النص ؛ لأن مقابلة الجمع بالجمع تقتضي مقابلة الأفراد بالأفراد والآخر بدلالته لتساويهما وعدم الأولوية وكلمة إلى قد تستعمل بمعنى مع كقوله تعالى : ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم وقوله : من أنصاري إلى الله ، وهو المراد هنا لما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أمر الماء على مرفقيه ، وروي أنه أدار الماء على مرفقيه [ ص: 360 ] ثم قال : هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به . قال الرافعي : ثم اليد إن كانت واحدة من كل جانب على ما هو الغالب قد كانت كاملة فذاك ، وإن قطع بعضها فله ثلاثة أحوال أحدها أن يكون القطع مما تحت المرفق كالكوع والذراع فغسل الباقي واجب ، والثاني أن يكون ما فوق المرفق فلا فرض لسقوطه محله ، ولكن الباقي من العضد يستحب غسله لتطويل الغرة ، كما لو كان سليم اليد كالمحرم إذا لم يكن على رأسه شعر يستحب له إمرار الموسى على الرأس وقت الحلق والثالث أن يكون القطع من مفصل المرفق وهل يجب غسل رأس العظم الباقي ؟ فيه طريقان أحدهما القطع بالوجوب ؛ لأنه من محل الفرض ، وقد بقي فأشبه الساعد إذا كان القطع من الكوع ، والثاني فيه قولان القديم ومنقول القديم أنه لا يجب والأصح ، وهو منقول الربيع أنه يجب ، واختلفوا في مأخذ القولين هذا كله في اليد الواحدة ، أما إذا خلقت لشخص من جانب يدان ، فإن تميزت الزائدة عن الأصلية نظر ، فإن خرجت من محل الفرض وجب غسلها ، وإن خرجت مما فوق محل الفرض ، فإن لم تبلغ إلى محاذاة محل الفرض فالمنقول عن نص الشافعي في الأم أنه يجب غسل القدر المحاذي دون ما فوقه لوقوع اسم اليد عليه وحصول ذلك القدر في محل الفرض قلت : وقوله : فالمنقول عن نص الشافعي في الأم هكذا هو في الوجيز ووقع له في الوسيط مثله ، وقال ابن الرفعة في المطلب : لم أظفر به مع الإمعان في طلبه ونسبه الجمهور إلى اختيار أبي حامد وأتباعه وعبارة الرافعي تدل على أنه نقله عن النص جماعة والإمام قال : إن أهل العراق نقلوا نصا ولم يبين المحل المنقول منه وعليه جرى النووي اهـ ، ثم قال الرافعي : وفيه وجه صار إليه كثير من المعتنين وقرروه أنه لا يجب غسل المحاذي ولا غيره ؛ لأن هذه الزيادة ليست على محل الفرض فيجعل تبعا ولا هي أصلية حتى تكون مقصودة بالخطاب وحملوا نصه في الأم على ما إذا التصق شيء منها بمحل الفرض ، وأما إذا لم تتميز الزائدة عن الأصلية وجب غسلهما جميعا سواء أخرجتا من المنكب أو من المرفق أو من الكوع ومن الأمارات المميزة للزائدة عن الأصلية أن تكون إحداهما قصيرة فاحشة القصر والأخرى في حد الاعتدال فالزائدة القصيرة ومنها نقصان الأصابع ومنها فقد البطش وضعفه في الروضة للنووي ولو طالت أظفاره وخرجت عن رؤوس الأصابع وجب غسل الخارج على المذهب وقيل : قولان ، وإذا توضأ ، ثم قطعت يده أو رجله أو حلق رأسه لم يلزمه تطهير ما انكشف (ويحرك الخاتم) وجوبا إن لم يصل الماء إلا به وإلا فندبا ، وعند أصحابنا إن كان ضيقا يجب تحريكه في المختار من الروايتين لما روى ابن ماجه عن أبي رافع رفعه كان إذا توضأ وضوءه للصلاة حرك خاتمه في أصبعه ولأنه يمنع الوصول ظاهرا ، وكذا القرط في الأذن يتكلف لتحريكه إن كان ضيقا والمعتبر غلبة الظن في إيصال الماء إلى الثقب سواء كان فيه قرط أو لم يكن ، فإن غلب على الظن وصول الماء إلى الثقب لا يتكلف لغيره من إدخال عود ونحوه ؛ لأن الحرج مدفوع (ويطيل الغرة) وهي بالضم غسل مقدم الرأس مع الوجه وغسل صفحة العنق والتحجيل غسيل بعض العضد عند غسل اليد وغسل بعض الساق عند غسل الرجلين ، وهو أحد الأوجه المذكورة من الفرق بين تطويل الغرة وتطويل التحجيل وإليه أشار المصنف بقوله : (ويرفع الماء إلى أعالي العضد) ولو قال : ويطيل الغرة والتحجيل لسلم من التطويل وفسر كثيرون تطويل الغرة بغسل شيء من العضد والساق وأعرضوا عن ذكر ما حوالي الوجه والأول أولى وأوفق لظاهر الخبر .



(تنبيه)

قول المصنف في الوجيز ، ولكن الباقي من العضد يستحب غسله لتطويل الغرة قال الرافعي : فإن قيل : تطويل الغرة إنما يفرض في الوجه والذي في اليد تطويل التحجيل قلنا : تطويل الغرة والتحجيل نوع واحد من السنن على أن أكثرهم لا يفرقون بينهما ويطلق تطويل الغرة على اليد ورأيت بعضهم احتج بأن إطالة الغرة لا تمكن إلا في اليد ؛ لأن استيعاب الوجه بالغسل واجب وليس هذا الاحتجاج بشيء ؛ لأن للمعترض أن يقول : الإطالة في الوجه أن يغسل إلى اللبب وصفحة العنق ، وهو مستحب نص عليه الأئمة اهـ .




الخدمات العلمية