الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
النوع الثالث زكاة النقدين .

فإذا تم الحول على وزن مائتي درهم بوزن مكة نقرة خالصة ففيها خمسة دراهم وهو ربع العشر وما زاد فبحسابه ولو درهما .

ونصاب الذهب عشرون مثقالا خالصا بوزن مكة ففيها ربع العشر وما زاد فبحسابه وإن نقص من النصاب حبة فلا زكاة .

التالي السابق


النوع الثالث: زكاة النقدين، هكذا هو في الوجيز. وقال النووي في المنهاج: زكاة النقد، وقال في الروضة: زكاة الذهب والفضة، وأصل النقد الإعطاء، ثم أطلق على المنقود من باب إطلاق المصدر على المفعول، وفي المشارق: النقد ضد العرض والدين. اهـ. فيشمل المضروب وغيره، وقال الأسنوي: النقد هو المضروب من الذهب والفضة خاصة، ثم إن المراد بالنقدين هنا الذهب والفضة لا زكاة فيهما فيما دون النصاب، ونصاب الفضة مائتا درهم والذهب عشرون مثقالا، (فإذا تم الحول على مائتي درهم) والاعتبار فيها (بوزن مكة نقرة خالصة) غير مغشوشة (ففيها خمسة دراهم) ، وقدم الفضة على الذهب؛ لأنها أغلب (وهو) أي: خمسة دراهم (ربع العشر) ؛ لأن عشر المائتين عشرون، وفي العشرين أربعة أرباع صحيحة، بضرب أربعة في خمسة، فالخمسة ربع العشرين؛ لما روى الشيخان من حديث أبي سعيد: ليس فيما دون خمس أواق صدقة. وكانت الأوقية إذ ذاك أربعين درهما، (وما زاد) عن النصاب (فبحسابه) قل أو كثر (ولو درهما) أي: إذا زاد على المائتين درهم يجب فيها خمس دراهم وجزء من أربعين جزءا من درهم، وقس على هذا، وهو قول علي بن أبي طالب، وبه قال الشافعي وأبو يوسف ومحمد، وعند أبي حنيفة: في كل خمس نصاب يجب فيه بحسابه، وهو أربعون درهما من الورق، فيجب فيه درهم وقد وقع [ ص: 40 ] التصريح بذلك في حديث عمرو بن حزم وعلي بن أبي طالب، وهما صحيحا الإسناد .

وروى ابن أبي شيبة عن الحسن البصري قال: كتب عمر إلى أبي موسى: فما زاد على المائتين ففي كل أربعين درهما درهم، وقال صاحب التمهيد: وهو قول ابن المسيب والحسن ومكحول وعطاء وطاوس وعمرو بن دينار والزهري، وبه يقول أبو حنيفة والأوزاعي، وذكر الخطابي الشعبي معهم (ونصاب الذهب عشرون دينارا خالصة) بالإجماع، ووقع في المنهاج مثقالا بدل دينار، ومآلهما واحد؛ لأن كل دينار زنته مثقال (بوزن مكة) ؛ لما روى أبو داود والنسائي بإسناد صحيح: المكيال مكيال المدينة والوزن وزن مكة (ففيها ربع العشر) ، وهو نصف دينار، ففي الصحيحين: وفي الرقة ربع العشر، وعند أبي داود من حديث علي رفعه: ليس في أقل من عشرين دينارا شيء، وفي عشرين نصف دينار. وعنده أيضا: ليس عليك شيء حتى يكون عشرين دينارا، فإذا كانت لك وحال عليها الحول ففيها نصف دينار، (وما زاد فبحسابه) . هذا مذهب الشافعي، وبه قال أبو يوسف ومحمد، وعند أبي حنيفة: في خمس نصاب يجب فيه بحسابه؛ من الذهب أربعة دنانير فيجب فيها قيراطان، وهو قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال في الروضة: أما المثقال فمعروف. ولم يختلف قدره في الجاهلية ولا في الإسلام، وأما الفضة فالمراد دراهم الإسلام، ووزن الدرهم ستة دوانق، وكل عشرة دراهم سبعة مثاقيل ذهبا، إنه اجتمع أهل العصر الأول على هذا التقدير، قيل: كان في زمن بنى أمية، وقيل: في زمن عمر بن الخطاب. اهـ .

وفي شرح المختار لأصحابنا: المعتبر في الدراهم كل عشرة توزن بوزن سبعة مثاقيل؛ لأن المثقال هو الدينار، والدينار عشرون قيراطا، والدرهم أربعة عشر قيراطا، فسبعة مثاقيل يكون مائة وأربعين قيراطا، فعشرة دراهم يكون كذلك، وكل قيراط خمس شعيرات، وقيل: كانت الدراهم قبل عهد عمر رضي الله عنه مختلفة، صنف منها كل عشرة دراهم عشرة مثاقيل، كل درهم مثقال. وصنف منها كل عشرة خمسة مثاقيل، كل درهم نصف مثقال، وصنف منها كل عشرة ستة مثاقيل، وكل درهم ثلاثة أخماس مثقال، فطلبهم عمر في الخراج بأكبر الدراهم، وهم التمسوا منه التخفيف، فجمع حساب زمانه ليتوسطوا بين ما رامه وبين ما رامته الرعية؛ فاستخرجوا له وزن السبعة، وإنما فعلوا ذلك بوجوه: أحدها: أنك إذا جمعت عدد الأصناف الثلاثة -يعني من كل صنف عشرة دراهم- صار الكل إحدى وعشرين مثقالا، فإذا أخذت ثلث ذلك كان سبعة مثاقيل، فشاور عمر الصحابة فاجتمع رأيهم على هذا، فبنى عليه أحكام الزكاة والخراج ونصاب السرقة وتقدير الديات والمهر في النكاح اهـ .

ونقل القسطلاني في شرح البخاري عن بعضهم ما نصه: نصاب الذهب أربعمائة قيراط وسبعة وخمسون قيراطا وسبع قيراط، ووزنه ثلاث حبات وثلاثة أرباع خمس حبة أو ثمن حبة، وهي من الشعير المتوسط الذي لم يقشر بل قطع من طرفي الحبة، منه ما دق وطال، وإنما كان القيراط ما ذكر؛ لأنه ثلاثة أثمان الدانق الذي هو سدس درهم، وهو ثمان شعيرات وخمس شعيرة على الأرجح، وذلك هو الدرهم الإسلامي، وهو ستة عشر قيراطا، وزد عليه ثلاثة أسباع من الحب، وهي إحدى وعشرون حبة وثلاثة أخماس حبة، فيكون الدينار الشرعي الذي هو مثقال اثنين وسبعين حبة، ويكون النصاب ألفا وأربعمائة حبة وأربعين حبة، وإنما زيد على الدراهم ثلاثة أسباعه من الحب؛ لأن المثقال درهم وثلاثة أسباعه اهـ .

(وإن نقص من النصاب حبة) أو بعض حبة (فلا زكاة فيه) وإن راج روجان التام أو زاد على التام لجودة نوعه، ولو نقص في بعض الموازين وتم في بعضها فوجهان؛ الصحيح: أنه لا زكاة فيه، وبه قطع المحاملي وغيره .

كذا في الروضة .



(تنبيه)

يشترط ملك النصاب بتمامه حولا كاملا كما تقدم في كلام المصنف، ولا يكمل نصاب أحد النقدين بالآخر، ويكمل الجيد بالرديء من الجنس الواحد، والمراد بالجودة النعومة والصبر على الضرب ونحوهما، وبالرداءة الخشونة والتفتت عند الضرب، وأما إخراج زكاة الجيد والرديء فإن لم تكثر أنواعه، أخرج من كل بقسطه، وإن كثرت وشق اعتبار الجميع أخرج من الوسط، ولو أخرج من الجيد عن الرديء فهو أفضل، وإن أخرج الرديء عن الجيد لم يجزه على الصحيح الذي قطع به الأصحاب، وقال الصيدلاني: يجزئه، وهو [ ص: 41 ] غلط، ويجوز إخراج الصحيح من المكسر ولا يجوز عكسه، بل يجمع المستحقين ويصرف إليهم الدينار الصحيح بأن يسلمه إلى واحد بإذن الباقين، هذا هو الصحيح المعروف، وحكي وجه أنه يجوز أن يصرف إلى كل واحد حصته مكسرا، ووجه أنه يجوز ذلك لكن مع التقارب بين الصحيح والمكسر، ووجه أنه يجوز إذا لم يكن بين الصحيح والمكسر فرق في المعاملة .




الخدمات العلمية