الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ولم يسقط عنه بتلف ماله وتمكنه بمصادقة المستحق .

وإن أخر لعدم المستحق فتلف ماله ، سقطت الزكاة عنه .

التالي السابق


ثم قال المصنف رحمه الله: (ولم تسقط عنه بتلف ماله وتمكنه بمصادفة المستحق) من نحو المسكين أو السلطان، وقال في الوجيز في تأخيرها: وهو سبب الضمان والعصيان عند التمكن، قال الشارح: أي: يدخل في ضمانه حتى لو تلف المال بعد ذلك لزمه الضمان، سواء تلف بعد مطالبة الساعي أو الفقراء، أو قبل ذلك؛ لأنه قصر بحبس الحق عن المستحق فلزمه ضمانه، وعند أبي حنيفة تسقط ولا ضمان إن كان التلف قبل المطالبة، وإن كان بعدها فلأصحابه اختلاف، وعبارة الوجيز: وإن تلف النصاب بعد الحول وقبل التمكن فلا زكاة .

قال الشارح: أي: لا شيء عليه كما لو دخل وقت الصلاة فعرض له جنون ونحوه قبل التمكن من فعلها، أو ملك الزاد والراحلة ولم يتمكن من فعل الحج، وحكى صاحب الشامل عن أحمد: أنه لا تسقط الزكاة كما لو أتلفه. اهـ .

وإن أتلفه بنفسه بعد الحول وقبل التمكن لم تسقط عنه الزكاة بإتلافه لتقصيره، وعن مالك: إن لم يقصد بالإتلاف الفرار عن الزكاة سقط ا ه .

وإن أتلفه غيره يبنى على أصل، وهو أن الإمكان من شرائط الوجوب أو من شرائط الضمان، إن قلنا بالأول فلا زكاة كما لو تلف قبل الحول، وإن قلنا بالثاني وقلنا مع ذلك الزكاة تتعلق بالذمة فلا زكاة أيضا؛ لأنه تلف قبل حصول شرط الاستقرار، وإن قلنا تتعلق بالعين انتقل حق المستحقين إلى القيمة. وقال أبو حنيفة: إنه ليس إلا من شرائط الضمان؛ لأنه لو أتلف المال بعد الحول لا تسقط عنه الزكاة، ولولا الوجوب لسقطت كما لو تلف قبل الحول، وبه قال الشافعي في القديم ومال إليه كثيرون من الأصحاب، ثم إن إمكان الأداء يعتبر معه شيء آخر، وهو وجوب الإخراج، وذلك بأن تجتمع شرائطه، فمنها أن يكون المال حاضرا عنده، فأما إذا كان غائبا فلا يوجب إخراج زكاته، وإن جوزنا نقل الصدقات، ومنها أن يجد المصروف إليه الأموال على ما ذكر ظاهرة وباطنة، والباطنة يجوز صرف زكاتها إلى السلطان ونائبه، ويجوز أن يفرقها بنفسه، فيكون واجدا للمصروف إليه، سواء وجد أهل السهمان أو الإمام أو نائبه، وأما في الأموال الظاهرة فكذلك إن جوزنا له أن يفرق زكاتها بنفسه وإلا فلا إمكان حتى يجد الإمام أو نائبه، (وإن أخرها لعدم) وجدان (المستحق) ممن يجوز الصرف إليه من مسكين أو سلطان، (فتلف ماله، سقطت الزكاة عنه) ، ولو وجده لكن أخر لطلب الأفضل، ففي جوازه وجهان؛ وذلك كما إذا وجد الإمام أو نائبه فأخر ليفرق بنفسه؛ حيث قلنا: إنه أولى، أو وجد أهل السهمان فأخر ليدفع إلى الإمام أو نائبه؛ حيث قلنا: إنه أولى، أو أخر لانتظار قريب أو جار أو من هو أحوج إليه، أحد الوجهين: [ ص: 92 ] أنه لا يجوز التأخير؛ لأن المستحق حاضر والزكاة واجبة على الفور فلا تؤخر، وأظهرهما: الجواز؛ لأنه تأخير لغرض ظاهر، وهو اقتناص الفضيلة، فيسامح به، فعلى هذا لو أخر فتلف ماله هل تسقط عنه الزكاة ولا يضمن أم تسقط ويضمن؟ فيه وجهان؛ أحدهما: ما ذكره المصنف بقوله: سقطت الزكاة عنه؛ أي: ولا يضمن، فهو كالتأخير بسائر الأسباب الجائزة، والثاني: لا تسقط .

قال الرفاعي: وهو الأصح؛ لأن الإمكان حاصل، وإنما يؤخر لغرض نفسه .

قلت: وهو المفهوم من سياق الوجيز؛ حيث قال: فإن حضر مستحق فأخر لانتظار القريب أو الجار لم يعص على أحد الوجهين، ولكن جواز التأخير مقيد بشرط الضمان على أصح الوجهين .




الخدمات العلمية